فيما تواصلت الاحتجاجات وأعمال العنف لليوم الخامس على التوالي ضد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أبدت الحكومة التركية أمس مرونة ولغة لينة تجاه الاحتجاجات، وقدمت اعتذاراً رسمياً للجرحى والمتظاهرين، داعية قادة المعارضة والاحتجاجات إلى وقفها، مؤكدة أن «التظاهرات الأولى في إسطنبول كانت عادلة ومشروعة»، وفي وقت اشتعلت صدامات جديدة بين آلاف المتظاهرين وقوات الأمن بعد سقوط قتيل ثانٍ من نشطاء المعارضة جراء إصابة بطلق ناري، فيما فاق عدد الجرحى والمصابين 2000 شخص، حاول أردوغان الذي وصل إلى الجزائر أمس بعد زيارة «متعثرة» إلى المغرب أن يقلل من حجم التظاهرات ويؤكد أن الأمور في طريقها نحو التهدئة.
واستدعى الرئيس التركي عبدالله غول نائب رئيس الوزراء بولند أرينج لبحث سبل تهدئة الأوضاع في البلاد في خضم احتجاجات غير مسبوقة مناهضة للحكومة. وقال ارينج وهو الناطق باسم الحكومة أيضا، في مؤتمر صحافي إثر لقاء غول: «أقدم اعتذاري لكل الذين وقعوا ضحية أعمال عنف لأنهم حريصون على حماية البيئة وتظاهراتهم كانت عادلة». في إشارة إلى منظمي احتجاجات الدفاع عن ميدان «تقسيم». وأضاف: «لا أعتقد أن علينا تقديم الاعتذار لهؤلاء الذين سببوا الأضرار في الشوارع وحاولوا عرقلة حرية الناس».
وأكد أرينج أن «الحكومة التركية تحترم أنماط الحياة المختلفة لكل المواطنين». وحض نائب رئيس الحكومة التركية الأتراك على أن «يوقفوا التظاهرات». مؤكداً أنه اجتمع مع قادة النقابات التي أقدمت على إضراب تحذيري أمس وبعض أطراف المعارضة، وقال: «هناك حاجة للتواصل بشكل واضح من أجل التغلب على أي تشوش في ذهن الناس. وتماشياً مع ذلك اجتمعت مع مؤسسات وممثلي النقابات لمعرفة رأيهم».
قتيل جديد واشتباكات
في السياق، انضم قتيل جديد على خلفية الاحتجاجات، وأفادت وسائل إعلام تركية أن شاباً من نشطاء المعارضة توفي إثر إصابته بطلق ناري في رأسه في أنطاكيا جنوبي تركيا، لينضم إلى قتيل آخر سقط عقب دهسه بسيارة أجرة خلال التظاهرات في اسطنبول. ونقلت صحيفة «زمان» التركية عن مكتب المدعي العام في أنطاكيا أنه لم يعثر على أي آثار لطلقات نارية خلال تشريح جثة المتظاهر عبد الله سوميرت.
واشتبك آلاف المحتجين أمس مع الشرطة في اسطنبول وبعض أحياء أنقرة ومدن أخرى، وسقط عشرات الجرحى وأصيب آخرون بحالات اختناق نتيجة استخدام الأمن لقنابل الغاز المسيل للدموع، وظهرت آثار الحرائق والدخان في أكثر من منطقة اشتباكات، وقدرت إحصائيات غير رسمية عدد الجرحى بقرابة 2000 جريح، بينما تقول السلطات التركية إن العدد لا يتجاوز 300 أغلبهم من رجال الشرطة.
وحاول المحتجون الاقتراب من مكتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين ألقوا الحجارة وبنوا الحواجز وأغلقوا بعض الطرق الرئيسية بالمدينة بين ميدان تقسيم ومكتب أردوغان.
وهتف المتظاهرون: «طيب.. ارحل» منادين بسقوط رئيس الحكومة. وتمكنت شرطة مكافحة الشغب من صد المحتجين وإبعادهم عن مكتب رئيس الوزراء وباتجاه ميدان «تقسيم» بجوار متنزه «جيزي» حيث اعتصم محتجون مناهضون للحكومة. ولبى مجموعة من الطلاب دعوة اتحاد العمال الذي يضم قرابة 240 ألف عضو إلى الإضراب وخرجوا في مسيرات بشارع شهداء قبرص في منطقة إزمير حيث ترددت أنباء عن اعتقال 800 شخص.
جولة أردوغان
من جانبه، قال أردوغان في مؤتمر صحافي مع نظيره المغربي عبد الإله بنكيران في الرباط، إن الأوضاع في تركيا «تتجه إلى الهدوء»، مشيراً إلى أن «هناك جهات تستغل أزمة ساحة تقسيم لزعزعة الاستقرار في تركيا».
وعقب الزيارة غير الموفقة إلى المغرب حيث قاطع مئات من رجال الأعمال المغاربة ندوة كان من المفترض أن تجمعهم برئيس الوزراء التركي، توجه أردوغان إلى الجزائر في جولته المغاربية التي ستختتم غداً في تونس، وكان في استقباله لدى وصوله إلى مطار الجزائر رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال.
حقوق إنسان
إلى ذلك، أعلنت الناطقة باسم مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان في جنيف أن على تركيا أن تجري تحقيقاً سريعاً ومستقلاً بشأن سلوك الشرطة في مواجهة المتظاهرين المناهضين للحكومة. وقالت سيسيل بويي الناطقة باسم المفوضة نافي بيلاي: «نرحب باعتراف السلطات باحتمال الاستخدام المبالغ به للقوة ودعوتها إلى إجراء تحقيق حول الشرطيين الذين قد يكونون انتهكوا القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان»، مطالبة بتحقيق «سريع وكامل ومستقل وحيادي».
أما رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتس فقال إن تعامل الحكومة التركية مع المتظاهرين لا يتفق مع عضوية الاتحاد الأوروبي. وقال السياسي الألماني: «عضوية الاتحاد تتطلب الالتزام بالمعايير الديمقراطية. وإننا نرى أن أردوغان غير مستعد لذلك في لحظات معينة».
من جانبه، قال مسئول أولمبي بارز إنه لا يتوقع أن تتسبب الاحتجاجات المناهضة للحكومة التركية في التأثير سلباً في مسعى اسطنبول لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2020، في حين أعرب بعض السياسيين الأتراك عن تخوفهم. وقال نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باخ إنه لا يتوقع أن يكون للأحداث التي تشهدها تركيا حالياً أي تأثير في تصويت اللجنة الأولمبية الدولية لصالح المدينة المضيفة 7 سبتمبر المقبل.
التونسيون يتابعون «الربيع التركي»
يزور رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان تونس اليوم في إطار جولة مغاربية شملت المغرب والجزائر، في وقت يتابع فيه التونسيون مستجدات الوضع التركي بعد اندلاع الاحتجاجات ضد حكومة حزب العدالة والتنمية الحليف المباشر لحركة النهضة، وكتب تونسي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي « في العام 2011 كانت تونس تحلم بأن تصبح مثل تركيا، في 2013 صارت تركيا مثل تونس».
وعلّق آخر على الاحتجاجات في تركيا قائلاً: «إذا ثار الشعب على أردوغان ونموذجه، فكيف سيقنعنا حكامنا بأنهم سيطبقونه في تونس؟».
استطلاع أهداف «الكردستاني»
أعلنت تركيا أن طائراتها العسكرية أجرت عمليات مسح في جبال شمال العراق، ولفتت إلى أن عمليات المسح تلك كشفت 62 هدفاً، عبارة عن مواقع تابعة لحزب العمال الكردستاني، مؤكدة أنه تم «التقاط صور للأهداف من الجو».
وفي حادث يعد الأول منذ البدء بتنفيذ اتفاق وقف القتال، أعلنت رئاسة أركان الجيش التركي عن تجدد المواجهات بين الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني قرب الحدود العراقية. وقالت رئاسة الأركان التركية إن «نقطة عسكرية تابعة للجيش التركي تعرضت لهجوم في ولاية شرناخ قرب الحدود العراقية التركية، ما أسفر عن إصابة عسكري برتبة رقيب بجروح متفاوتة».