بعد أربعة أيام وثلاث جولات من المفاوضات الصعبة، توصلت القوى الكبرى (مجموعة 5+1 بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي) وطهران فجر أمس في جنيف إلى أول اتفاق تاريخي لاحتواء البرنامج النووي الإيراني يحمل أملاً بالخروج من أزمة مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، بينما برزت على الفور خلافات بين طهران والولايات المتحدة حول تفسير البنود الخاصة بتخصيب اليورانيوم، حيث أكدت واشنطن أن الاتفاق لا يتضمن إشارة إلى حق إيران في تخصيب اليورانيوم في الوقت الذي تؤكد طهران العكس، إلا أنه بعد ساعات من إعلان الاتفاق بدء التطبيق سريعاً، حيث أفرجت واشنطن عن ثمانية مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة من جانبها.
وبعد ساعات من تعثّر المفاوضات بسبب إصرار إيران على «حق» تخصيب اليورانيوم تم أخيراً الإعلان عن اتفاق في الساعة الثالثة والنصف فجراً.
وتلت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون محاطة بجميع الوزراء الذين شاركوا في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، في مقر الأمم المتحدة في جنيف بياناً مشتركاً يعلن التوصل إلى «اتفاق حول خطة عمل».
وقالت اشتون: «توصلنا إلى اتفاق على خطة عمل». وفي إشارة إلى مضمون الاتفاق الذي لم تشأ الخوض في تفاصيله، واعتبرت «أنه من السوء دوماً أخذ مسألة ومحاولة تحديد موقع لها بطريقة ما». وقالت «سعينا إلى الرد على مخاوف المجتمع الدولي والتحرك بشكل يحترم الحكومة والشعب الإيرانيين».
وينص الاتفاق الذي وقعت عليه الدول العظمى وإيران في جنيف فجر أمس على أن تجمد إيران برنامجها لمدة نصف عام وتفكك مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة وتحديد مستوى التخصيب بنسبة 3.5 في المئة. وعدم تركيب أي أجهزة طرد مركزي إضافية من أي نوع.
كذلك يقضي الاتفاق بتحديد حجم النشاط في عدة منشآت نووية إيرانية وبينها المنشأة في أراك وعدم تزويد مفاعله بالوقود، وأن تشرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على تطبيق الاتفاق وأن يتاح المجال للمفتشين بصفة يومية دخول منشأتي نظنز وفوردو. وفي مقابل ذلك، سيتم تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران.
وحسب ما جاء في وثيقة وزعها البيت الأبيض أنه بموجب الاتفاق سيكون بإمكان طهران الحصول على عائدات يبلغ حجمها مليارات الدولارات من بيع كميات محدودة من النفط والبتروكيماويات والتجارة في الذهب والمعادن النفيسة الأخرى. كذلك سيتم السماح بنقل 4.2 مليارات دولار من حصيلة المبيعات على دفعات. وسيتم أيضاً السماح بنقل 400مليون دولار من مساعدات التعليم، إضافة إلى تسهيل الصفقات الإنسانية.
إفراج عن أرصدة
في تطبيق سريع للاتفاق كشف الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، علي نقي خاموشي، أن الولايات المتحدة أفرجت صباح أمس عن ثمانية مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة من جانبها.
إلى ذلك اعتبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف «نتيجة مهمة لكنه ليس إلا خطوة أولى». وقال في مؤتمر صحافي: «لقد أنشأنا لجنة مشتركة لمراقبة تطبيق اتفاقنا. آمل في أن يتمكن الطرفان من التقدم بطريقة تسمح بإعادة الثقة». وأضاف أن الاتفاق يتضمن «إشارة واضحة مفادها أن التخصيب سيستمر، وأن العقوبات بدأت مساراً تنازلياً».
آفاق جديدة
من جهته، أشاد الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتفاق، مؤكداً أن من شأن ذلك أن «يفتح آفاقاً جديدة». كما اعتبر في رسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية آية الله علي خامنئي أن الاتفاق يصب في «مصلحة بلدان المنطقة والسلام العالمي». مضيفاً أن «القوى الكبرى اعترفت بالحقوق النووية وحقوق إيران في تخصيب اليورانيوم». وقال روحاني كذلك في خطاب بثه التلفزيون الرسمي: «هيكلية العقوبات بدأت تتصدع». ووصف الاتفاق، بأنه إنجاز سياسي واقتصادي.
خطوة أولى مهمة
وفي ردود الفعل، اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن الاتفاق يمثل «خطوة أولى مهمة»، مشيراً في الوقت عينه إلى استمرار وجود «صعوبات هائلة» في هذا الملف. محذراً من عدم الالتزام بمبادئ الاتفاق الصارمة. وقال في كلمة ألقاها في البيت الأبيض إن هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف «يقفل الطريق الأوضح» أمام طهران لتصنيع قنبلة نووية، مجدداً الدعوة إلى الكونغرس بعدم التصويت على عقوبات جديدة على إيران.
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن الاتفاق «سيجعل العالم أكثر أمناً، وإسرائيل وشركاءنا في المنطقة أكثر أمناً». وقال إن الاتفاق يُشكّل «خطوة أولى». وشدد على أن النص «لا يقول إن لإيران الحق في تخصيب اليورانيوم مهما جاء في بعض التعليقات».
في الأثناء رأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «ليس هناك من خاسر الكل رابحون». وأضاف أن الاتفاق يسمح بعمليات تفتيش أوسع نطاقاً تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويعزز الثقة في الشرق الأوسط ويبدد بعض المخاوف من انتشار الأسلحة النووية».
مرحلة نحو التطبيع
من جانبه اعتبر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن الاتفاق «جيد للعالم أجمع بما في ذلك دول الشرق الأوسط والشعب الإيراني». وقال «يدل الاتفاق أنه من الممكن العمل مع إيران ومعالجة المشاكل المعقدة دبلوماسياً».
وفي باريس، رحب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالاتفاق معتبراً إياه «خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح». وقال إن «الاتفاق التمهيدي مرحلة نحو وقف البرنامج العسكري النووي الإيراني وبالتالي نحو تطبيع علاقاتنا مع إيران». فيما أشاد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بالاتفاق واصفاً إياه بأنه «تقدم مهم على طريق الأمن والسلام».
كما رحبت الصين بالاتفاق معتبرة أنه «سيساهم في صون السلام والاستقرار في الشرق الأوسط». وقال وزير الخارجية الصيني وانغ ويي في بيان نشر على موقع وزارة الخارجية الإلكتروني: «الاتفاق سيساهم في الحفاظ على نظام حظر انتشار الأسلحة النووية الدولي وسيصون السلام والاستقرار في الشرق الأوسط». في حين حض الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أمس المجتمع الدولي على «دعم هذه العملية التي، إذا سمح بنجاحها، ستصب في مصلحة جميع الأطراف على الأرجح على المدى الطويل».
لقطات
نقاش هاتفي
قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، إن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، سيتصل برئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، ليتحدث معه بشأن الاتفاق. ونقلت شبكة «سي ان ان» الأميركية عن المسؤول، قوله «في نهاية المطاف، نحن نفهم لماذا إسرائيل مرتابة بشكل خاص إزاء إيران». يو.بي.آي
إنجاز
رحب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي الذي له الكلمة الفصل في الملفات الكبرى، أمس بالاتفاق. وقال «لا بد من شكر فريق المفاوضين النوويين على هذا الإنجاز»، مضيفاً في رسالة إلى الرئيس حسن روحاني، أنه يتوجب «دوماً الصمود أمام المطالب المبالغ فيها» من الدول الأخرى في المجال النووي.
أثر إيجابي
اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس أن الاتفاق له إيجابيات متعددة، مشيراً إلى أنه «قد يكون مفيداً أيضاً بالنسبة للتحضيرات لعقد مؤتمر جنيف -2 بشأن سوريا».
ترحيب سوري
رحبت دمشق أمس بالاتفاق واعتبرته «تاريخياً». وقال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية السورية إن سوريا «ترحب بالاتفاق وتعتبره اتفاقاً تاريخياً يضمن مصالح الشعب الإيراني الشقيق ويعترف بحقه في الاستخدام السلمي للطاقة النووية».
فرصة
أضاف الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في تصريح صحافي بثته وكالة الأنباء الفلسطينية: الجهود الدولية التي نجحت في جنيف هي فرصة لتفعيل اللجنة الرباعية (الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي) لأخذ دورها في إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.