قتل شاب ودخل آخر في موت سريري إثر الأحداث التي شهدتها الأردن خلال اليومين الماضيين بعد إعلان الحكومة الأردنية رفع أسعار المشتقات البترولية، فيما نظم المحتجون أنفسهم عبر شبكة التواصل الاجتماعي رافضين شعارات إسقاط النظام، تزامناً مع دعوة مجلس الأعيان للحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة، وتحذير رئيس وزراء سابق من إعلان حالة الطوارئ.
ورفضت عائلة الشاب ويدعى قيس تيسير العمري الذي قتل برصاص الدرك في إحدى قرى اربد، استلام الجثمان، مطالبة بإجراء تحقيق مستقل في الوفاة.
وقالت مصادر مقربة من العائلة إن جهود تبذل لاستلام الجثة بهدف إتمام عملية الدفن بعد صلاة الجمعة.
والعمري متزوج ولديه ولدان، وامرأته حامل. ووفق عمه فإن اجتماعاً عقد عصر أمس لعشيرة العمري للتباحث في الإجراءات التي سيتم اتخاذها.
وكان بيان صادر عن الأمن العام قال إن الشاب قتل خلال هجوم مسلح على مركز امن الوسيطة في محافظة اربد، خلال محاولة لاقتحامه، حيث نتج عن الهجوم وفاة العمري وإصابة ثلاثة من المهاجمين، كما اصيب 12 دركياً حسب الأمن. لكن والد القتيل قال ان ابنه قتل خلال مكالمة هاتفية معه ولم يكن يهاجم أحدا. وقالت مصادر عائلة العمري وشهود عيان ان الهجوم وقع بعد الاعلان عن مقتل ابنها.
وتكرر مشهد الكر والفر في لواء الوسطية فجر ونهار امس، بعد مقتل العشريني قيس العمري من بلدة كفر أسد غربي اربد.
واقدم جمع من المحتجين في بلدة كفر اسد على إشعال الإطارات أمام المتصرفية، كما قاموا بإحراق المؤسسة الاستهلاكية وجزء من مبنى البلدية هناك.
وافاد مصدر عشائري مطلع في بلدة كفر اسد في اتصال هاتفي مع «البيان» ان اجتماعات لوجهاء اللواء وحشد من عشيرة العمرية التي فقدت احد ابنائها، عقدت مساء امس للتباحث في الخطوات المقبلة وفق المصدر الذي اشار ايضا الى محاولات تهدئة يقودها وجهاء هناك. وشهدت مناطق المملكة احتجاجات واسعة منذ ثلاثة أيام فور إعلان رئيس الوزراء عبدالله النسور عن رفع أسعار المشتقات البترولية على شاشة التلفزيون الأردني.
وفي السياق قالت عائلة الشاب عمر عبدالسلام العمري إن ابنها في حالة موت سريري اثر إطلاق النار عليه من قبل قوات الأمن والدرك. ويبلغ الشاب من العمر 17 عاماً وأصيب خلال صدامات قرب مركز أمن كفر أسد، بعد غضب العائلة على موت ابنها الأول.
فعاليات حتى الفجر
واستقبلت السلطات الأردنية في عمان الفعالية المركزية التي أعلن عنها على دوار الداخلية بطوق امني مشدد أغلقت فيه المكان على بعد اكثر من ثلاثة كيلومترات. لكن المحتجين انتقلوا بعد اغلاق الدوار الى دوار قريب منه وسط جبل الحسين، أحد اشهر الاحياء التجارية في العاصمة عمان مشتبكين مع قوات الدرك والأمن كما كانت عليه الأمور ليلة أول من امس.
ومنذ ثلاثة ايام اعتادت الفعاليات الشعبية على البقاء في الشوارع منذ العصر حتى ساعات الفجر الأولى. وقال نشطاء إن الأجهزة الأمنية اعتقلت أعداداً غير معروفة حتى الآن من الشباب والنساء. واطلق المتظاهرون على انتفاضتهم «هبة تشرين» (أكتوبر)، استدعاء لـ«هبة نيسان» (أبريل) عام 1989 التي الغت على اثرها الاحكام العرفية.
ونظم المحتجون أنفسهم، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، رافضين إطلاق شعارات إسقاط النظام، كما حددوا لأنفسهم عدة نقاط من بينها عدم مواجهة الأمن بصورة مباشرة.
وفي اربد، شمالي المملكة، كان ميدان الشهيد وصفي التل العنوان الأبرز للحراكات الاحتجاجية في المدينة على مدى اليومين الفائتين، حيث احتشد في محيط الميدان جموع حاشدة تقدمهم نخب وشخصيات المدينة اضافة الى شباب حراك الشمال.
وعبر المتظاهرون عن غضبهم على قرار رفع الدعم متهمين عبدالله النسور بأنه يقود البلاد الى مواجهات دامية، وفق وصفهم، مطالبين بإسقاط حكومته وتشكيل حكومة انقاذ وطني .
مسيرة حاشدة
وانطلقت المسيرة الحاشدة من باحة مسجد اربد الكبير عصر امس وسط هتافات وتكبيرات وشعارات تنادي بإلغاء القرار وإعادة الأموال المنهوبة من قبل الفاسدين وفق وصف المتظاهرين.
ورفع المتظاهرون لافتات حملت دلالات الفقر والبطالة وأسئلة طرحوها عبر شعاراتهم حول الفساد والمفسدين.
وأصاب وسط مدينة إربد امس حالة من الشلل في الحركة ونشاط في الحراك الشعبي، الذي أعلن عن مسيرة كبرى بعد صلاة اليوم الجمعة ستنطلق من باحة مسجد نوح القضاة المحاذي لجامعة اليرموك.
على الصعيد ذاته، شهدت مدينة اربد ولواء الوسطية فجر أمس مشاحنات وصدامات بين محتجين والدرك، بعد اقدام الدرك على اطلاق قنابل مدمعة على المحتجين بقصد تفريقهم واخلاء الميدان، مما ادى الى تسارع في احداث شهدتها المدينة كحرق الاطارات وتحطيم كوخ مركز امني في المدينة، وحالات كر وفر بين المحتجين ودركيين استمرت حتى الساعة الرابعة من فجر أمس.
كما حدثت مواجهات محدودة في بلدة الكريمة بلواء الاغوار الشمالي غرب اربد بين محتجين على قرار الحكومة برفع الدعن عن اسعار المشتقات النفطية، ومؤيدين للقرار ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين.
إضراب مفتوح للمدارس
وأعلن عدد من النقابات المهنية الإضراب المفتوح منذ يوم الأحد المقبل ومنها نقابة المعلمين التي طلبت من منتسبيها الأكثر عددا من حيث موظفي القطاع العام الإضراب العام وعدم دخول الغرف الصفية الى حين عودة الحكومة عن قرار الرفع. وسجل تاريخ إضرابات المعلمين في الأردن استجابات واسعة للأعضاء مع نقابتهم.
مجلس الأعيان
وفي السياق اعلن مجلس الأعيان في بيان اصدره أمس الأردنيون الى تفويت الفرصة على من وصفهم بالمتآمرين على الوطن والوقوف مع الذات في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الوطن، مؤكدا على اهمية الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة باعتباره واجبا وطنيا وقانونيا. وجاء البيان في مناخ من الفوضى العارمة في شوارع عدد من مدن المملكة استغل فيها اللصوص الحالة فسجلت عددا من حالات السرقة.
ودعت الحكومة الأردنية الإسلاميين بالإسهام في تهدئة الشارع والحيلولة دون إلحاق الضرر بالمنشآت العامة والخاصة، لكن مقرات لجماعة الاخوان نفسها جرى تخريبها في عدد من المناطق.
والتقى وزير الداخلية عوض خليفات قيادات في جماعة الاخوان المسلمين بدعوة منه، عبر فيها عن قلق الحكومة من رِدة الفعل الشعبية على قرارها برفع اسعار المشتقات النفطية. لكن الوفد أبلغ الوزير انه اذا ارادت الحكومة تهدئة الشارع فعليها العودة عن قرارها.
عبيدات يحذر
من جانبه حذر رئيس الوزراء الأسبق، رئيس الجبهة الوطنية للإصلاح، أحمد عبيدات من دخول البلد في نفق مظلم في حال عدم معالجة الخلل الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت اليه. وقال في مؤتمر صحافي أمس في عمان استمرار الحكومة باللجوء الى جيب المواطن «سيكون بداية لانزلاق البلد في الهاوية»، مطالباً الحكومة بالتراجع الفوري عن قرار رفع الأسعار الذي يمس جيوب المواطنين واللجوء الى منافذ اخرى لهذا السبيل كتقنين النفقات العسكرية وربطها بموازنة الدولة، منتقداً غياب الموقف الرسمي من تصاعد وتيرة الاحتجاج مشيراً الى ما تشهده المملكة اليوم وضع حساس ويحتاج الى الحكمة من كافة الأطراف.
وقال: «إن الاستهتار بعقول المواطنين وكرامتهم يعود بنتائج عكسية، سيتفاقم معه الاحتقان الشعبي المتراكم وسيعرّض أمن الوطن واستقراره للخطر». وطالب الحكومة باتخاذ اجراءات حقيقية في الاصلاح، وليست تجميلية، محذراً من التعامل الأمني مع الاحتجاجات التي وصفها بـ«الانتفاضة الشعبية».
وحذر عبيدات من ان «إعلان حالة الطوارئ من شأنه أن يزيد الوضع سوءاً». كما دافع عن الحركة الإسلامية، وقال إنها «لا تسيطر على الشارع، وإن الشعب هو القرار وهو صاحب الشارع».
وأوضح أن الشعب الأردني شعب مسالم ووسطي، ويعرف حجم الضغوط، لكنه لا يستطيع إيجاد تبرير للانحراف السياسي وللتفريط بالمال العام، متسائلًا لماذا الانتقائية في محاسبة الفاسدين؟
وأكد دعمه والجبهة للحراكات الشعبية والقوى السياسية والنقابية والحزبية التي تطرح مطالبها بشكل سلمي وحضاري لمواجهة قرار رفع الأسعار، مطالباً بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي الذين مارسوا حقهم الدستوري بالتعبير عن مطالبهم، مؤكداً ان استمرار اعتقالهم سيزيد من الأزمة ويعمقها.
حرية التعبير
أكد المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن ضرورة ضمان الدولة للحق الثابت للمواطنين في حرية التعبير والتجمع والاحتجاج وحماية ممارسته بشكل كامل في الوقت الذي طالب فيه بسلمية الاحتجاج بشكل كامل وعدم الاعتداء على الممتلكات عامة وخاصة.