البحرين وكما عرفتها تضج دائما بالدفء وحرارة الاستقبال، وجاءت زيارتي إلى المملكة هذه المرة للقاء صحافي طالما انتظرته مع حكيمها رجل الدولة سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء.. الرجل الذي عُرف بالتنمية وأدى دوراً ريادياً فيها.. لديه إيمان راسخ أن ما من شيء يمنع أن يقرب البحرين ومحيطها الخليجي تحت سقف الاتحاد.. فهو هدف وغاية يتطلع اليها الجميع.
يتحدث الأمير خليفة بصراحة ووضوح.. ولا تستطيع إلا أن تنصت لما يطرحه هذا الرجل الحكيم من رؤى وتجربة طويلة خاضها في بناء الوطن.. وواجه بقوة وشجاعة كل التحديات التي مرت بها البحرين.. إنه تاريخ حافل وذاكرة للبحرين والخليج فهو يتحدث عن حكام الإمارات وعموم الخليج بأدق التفاصيل وما يربط البحرين بالإمارات من علاقات واسعه ومتميزة توارثها الابناء عن الآباء والاجداد.. والتي قال إنّها «متجذرة وقوية وكلها علاقات أخوة ومحبة».
الخبرة والحكمة تلازم كل كلمة ينطق بها سموه حول الشأن الخليجي والعربي والدولي.. ولكن قلبه على المنطقة التي اختزل القول فيها وقال إن «الاتحاد الخليجي ضرورة حتمية ينبغي إن يؤكدها القادة لأنها باتت مطلباً ملحاً للشعوب الخليجية».
كنت حريصاً على الالتقاء بهذا الرجل الفذ قبيل انعقاد قمة المنامة الخليجية التي تعقد اليوم الاثنين للاستفادة من أفكار سموه ورؤيته لمستقبل منظومة العمل الخليجي المشترك، وكان لـ «البيان» مع سموه هذا الحوار الذي يؤكد فيه على انّ قمة المنامة إضافة في مواجهة التحديات والمخاطر وقوة دفع للجهد الخليجي المشترك.
وأكد صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة أن مسيرة التعاون الخليجي المشترك تمضي في الطريق الصحيح نحو تقوية الدعائم الراسخة للتكامل أمنيا واقتصاديا، بما يعزز من المكتسبات والمنجزات التي تحققت، ويضاعف من مستويات الرفاه والأمان والاستقرار لشعوب المنطقة.
وشدد سموه في حديث خصّ به صحيفة «البيان» الإماراتية، بمناسبة انعقاد قمة قادة دول مجلس التعاون في العاصمة البحرينية المنامة اليوم، على ضرورة ترسيخ التعاون والتكامل بين دول المجلس وبالشكل الذي يحقق المصالح والمنافع المتبادلة، خاصة في المجال الأمني. وقال إن «شعوبنا تتطلع لمزيد من المنجزات خاصة في ظل التطورات الإقليمية والعالمية التي تمر بها المنطقة».
تعجيل الانطلاقة
وحضّ الأمير خليفة بن سلمان على بذل مزيد من الجهد لإضفاء فاعلية أكبر على استراتيجية العمل المشترك لدول المجلس في ظل التحديات الإقليمية والدولية، والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة في تحقيق إنجاز تلو الآخر، والبناء على ما حققه مجلس التعاون من إنجازات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ودعا قادة دول المجلس إلى وضع الأفكار التي تعجل من الانطلاقة نحو الغد المنشود من اجل حاضر ومستقبل المنطقة وتحقيق الصالح العام.
وأكد سموه: «أننا في حقبة جديدة وعالم تحكمه المصالح المتضاربة وهي مصالح ذات بعد استراتيجي واضح وبات من الملزم ان تعزز فعالية ودور المجلس ككيان موحد». وتابع القول إنّ «ما يهمنا في المقام هو أمن واستقرار المنطقة وأنْ نتحدث بصوت واحد ونكون لاعباً رئيسياً فيما يخص شؤون المنطقة وعلينا ان نضع الآليات المتعددة لحماية مصالحنا وبشكل قوي والحفاظ على الثوابت في محيطنا الخليجي كواحة أمن مستقرة».
هدف سامٍ
وردا على سؤال لـ «البيان» عما إذا كانت قمة المنامة ستشهد ولادة الاتحاد الخليجي رسميا، أكد الأمير خليفة بن سلمان أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية للانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد جاءت لتلبي تطلعات دول مجلس التعاون في الوحدة التي كانت، ولا تزال وستظل، الهدف الأسمى من وراء تأسيس هذا المجلس.
ورأى سموه أن مشروع الاتحاد يجب ان يسير وفق المتفق عليه بين الدول الأعضاء وبخطوات مدروسة ومتأنّية لتحديد آليات الانتقال للوحدة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، بهدف ضمان الانطلاقة القوية للاتحاد، وتعزيز المكانة والثقل الذي اكتسبه مجلس التعاون إقليميا ودوليا خلال السنوات الماضية. وقال في هذا الصدد: «إننا أمام مرحلة يجب أن تكون فيها دول الخليج العربية وحدة واحدة، حيث إننا نعيش واقعا متشابها في النظم السياسية والمخاطر التي تهددنا هي أيضا واحدة، لذا فما نريده في هذه المرحلة هو اتحاد خليجي يحقق التعاون الذي طالما تطلعنا إليه ويكرس التنسيق والتكامل والترابط الذي نتحدث عنه ويوفر مظلة للأمن الجماعي كخيار استراتيجي يحقق الأمن الذاتي الجماعي».
توافق إرادة الشعوب
وشدد رئيس وزراء مملكة البحرين على أن تطوير منظومة مجلس التعاون والوصول إلى بها الوحدة الخليجية الشاملة، هو هدف توافقت عليه إرادة وتطلعات شعوب المنطقة وقياداتها منذ انطلاق مجلس التعاون، وخيار مصيري في ظل ما نعيشه من تحديات وتهديدات أمنية وسياسية.
وقال سموه إن «إيمان البحرين العميق بأن الحفاظ على مصالح ومكتسبات دول مجلس التعاون لا يمكن أن يتحقق إلا بالتماسك والاتحاد وتنفيذ كل ما تتوافق عليه إرادة دول وقادة وشعوب المجلس خاصة في مجال تعزيز المواطنة الخليجية، وهي المبادئ التي نادت بها حكومة مملكة البحرين في أولويات برنامج عمل الحكومة».
واعرب سموه عن ثقته بأن قمة المنامة «ستعطي دفعة قوية للجهد الخليجي المشترك نحو بلوغ أهدافه المنشودة، وبالشكل الذي يواكب ما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات، ويلبي طموحات الشعوب في التنمية والعيش بأمن واستقرار».
ترحيب بالاتحاد
وعما إذا كانت مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية ستتجهان لتشكيل اتحاد كونفيدرالي في حال تأخر إعلان الاتحاد الخليجي الشامل، أكد سمو الأمير خليفة بن سلمان أن فكرة الاتحاد تحظى بترحيب خليجي واسع ووفق رؤية توافقية تضمن مشاركة كافة دول المجلس دون استثناء باعتباره تطورا طبيعياً في مسيرة هذا المجلس الذي تظل الوحدة هدفه الأسمى منذ تأسيسه في العام 1981.
وأشار سموه إلى أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين التي تقترح انتقال مجلس التعاون لدول الخليج العربية من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد تشمل جميع الدول الأعضاء في المجلس، لافتاً إلى أن نتائج أعمال اللجنة المكلفة بوضع التصورات الخاصة بقيام هذا الاتحاد ستحدد عند اكتمالها، كافة التفاصيل المتعلقة بإعلان هذا الاتحاد الذي بات مطلباً ملحا للشعوب الخليجية.
وخاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها دول المجلس متغيرات وتحديات كثيرة، تحتم الاسراع بتحويل الاتحاد الخليجي إلى أمر واقع، وهذا لن يكون بعيدا بإذن الله. وعن تطلعات سموه بشأن قمة المنامة كمحطة جديدة في مسيرة التعاون الخليجي، عبر صاحب السمو الملكي رئيس وزراء مملكة البحرين عن ترحيب بلاده باستضافة القمة الخليجية، مؤكداً أن البحرين تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أولت تعزيز العمل الخليجي المشترك مكانة رفيعة ضمن سياساتها واستراتيجيتها، وكانت دوما حاضنة وداعمة له على كافة المستويات.
وأكد أن أصحاب الجلالة والسمو قادة دول التعاون يولون توسيع نطاق الشراكة الخليجية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية أهمية بالغة، ويسعون بكل إخلاص وعزيمة إلى تعظيم قوة المجلس وتعزيز ترابطه، والنهوض بآليات التعاون والتكامل بما يعزز من مسيرته ويطورها. وأعرب عن تمنياته بأن يوفق المولى عز وجل أصحاب الجلالة والسمو في مسعاهم الخير لتوطيد أواصر التعاون والمحبة بين دول المجلس وشعوبه.
التهديد حافز نحو التقوية
وقال سموه إن الظروف والتهديدات المحيطة بدول المنطقة وما يشهده العالم من تحولات، تشكل حافزًا إضافيًا يدفع بإتجاه تقوية منظومة مجلس التعاون، من أجل تعزيز جهود التنمية والتكامل الاقتصادي، وتوفير مظلة حماية قادرة على ردع كل من يتربص بأمن المنطقة واستقرارها.
تقدير وقفة
وبخصوص الرؤية البحرينية لواقع التعاون الخليجي في ضوء ما تعرضت له البحرين من أزمة في العام الماضي، أكد أن وقفة دول مجلس التعاون إلى جانب البحرين في أزمتها، شكلت عاملاً حاسماً في الحفاظ على وحدتها ودعم سيادتها واستقرارها، وأن ما تتطلبه المرحلة الحالية هو دعم التوجه المشترك لحماية أمن المنطقة، باعتباره أولوية لا تحتمل التأجيل.
وأشاد بوقوف الأشقاء في دول مجلس التعاون إلى جانب البحرين في مختلف المواقف والأحداث، مؤكداً أن دول المجلس تشكل كيانا ونسيجا واحدا، وأي خطر يتهدد طرف منه سيجابه بموقف موحد من الجميع مؤكدا أن وحدة الكلمة والموقف بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية شكلت دوما صمام الأمان والدرع القوي في مواجهة الأطماع الخارجية ومحاولات البعض التدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس، تحت ذرائع واهية.
علاقات متجذّرة
وإزاء العلاقات بين مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ، قال سموه إنها علاقات متجذرة وقوية وما يربط بين البلدين من علاقات أخوة ومحبة، في ظل مساعي قيادتي البلدين لتوطيد هذه العلاقات والوصول بها إلى ما يلبي طموحات الشعبين الشقيقين، مشيداً سموه بما تزدهر به الامارات اليوم من تقدم ومنجزات تنموية وحضارية شاملة.
كما أشاد خليفة بن سلمان آل خليفة بالدور الحيوي والمهم الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة منذ انطلاق مسيرة مجلس التعاون في أبوظبي العام 1981 وحتى الآن، منوهاً بالموقف العربي الأصيل المساند والداعم من قيادة وشعب الإمارات الشقيق لمملكة البحرين خلال فترة الأحداث التي شهدتها البحرين.
أمن وتنمية
وعن تقييمه لمستوى التعاون الاقتصادي القائم بين دول مجلس التعاون ، أوضح سموه أن الأسس الأولى التي نهضت عليها منظومة دول مجلس التعاون تأسست على رؤية واضحة لتحقيق الأمن والتنمية في آن واحد، بوصفهما عاملين متلازمين لا يمكن تحقيق أي منهما بمنأى عن الآخر، مشددا سموه على أن مسيرة دول المجلس نجحت في إرساء قاعدة متينة للتعاون في هذين الجانبين، ومازالت تمضي قدما في هذا الاتجاه.
وقال سموه إن مشاريع التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون تسير بخطى مشجعة تأخذ بعين الاعتبار تجارب التكتلات الاقتصادية الكبرى ، وما يمر به العالم من أزمات مالية واقتصادية، مؤكدا سموه أن مبدأ التدرج وتحديد الأولويات عمق من أواصر التقارب الخليجي في هذا المجال.
وحضّ الأمير خليفة بن سلمان على تحقيق التكامل بين برامج التنمية الخليجية وتشجيع القطاع الخاص في دول مجلس التعاون على إقامة المشاريع المشتركة باعتباره خطوة أساسية في تشجيع خطوات تحقيق الوحدة الخليجية الشاملة.
وشدّد على أنّ ما يحتاجه مجلس التعاون في المرحلة الراهنة هو التحرك لوضع استراتيجية فاعلة تكفل الحماية المطلوبة لدول المجلس ضد أي تهديدات، وتعمل على زيادة النمو الاقتصادي واستدامة عملية التنمية، وتعزز من مكانة مجلس التعاون الاقليمية والدولية كتكتل اقتصادي وسياسي يمتلك القدرة الفعالة على التأثير في صياغة مستقبل المنطقة.
وأضاف سموه: «إننا مع أي توجه يعزز مكتسبات التنمية الشاملة لدول مجلس التعاون وشعوبها ، ويدعم استمرار التنسيق والتشاور حول كافة القضايا الإقليمية والدولية، ويتعامل بمرونة مع مستجداتها ومتغيراتها بالشكل الذي يعزز أمن واستقرار المنطقة».
الأزمات تقوّض المكتسبات
وبشأن التحديات التي يواجهها العمل الخليجي المشترك في ظل المتغيرات والمستجدات الإقليمية والدولية، قال سموه إن ما يعيشه عالمنا العربي اليوم من أزمات متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية تلعب دورا أساسيا في تقويض كل المكتسبات التي تحققت على مدى سنوات، وأصبحت واقعا نعيشه ونتألم لما يحدث، فهو ليس تجديدا للواقع بل تكريس لواقع لم نكن نطمح إليه"، ودعا سموه النخب السياسية في العالم العربي على تعدد أصولها ومشاربها إلى لعب دور أكبر في درء العنف والبعد عن الاحتراب مع بعضها البعض وتعزيز التنمية وتوفير البيئة السليمة التي تسهم في عملية التطوير السياسي والنمو الاقتصادي والاجتماعي.
دولة القانون
وحول تعامل مملكة البحرين مع ما تشهده من أحداث عنف وتخريب، أكد أن المملكة هي دولة القانون ودولة المؤسسات وأن أي خروج على القانون سيجابه بالقانون، مشيرا إلى أن شعب البحرين يرفض هذه الممارسات، وقال سموه: إن «مملكة البحرين هي بلد التنوع، وتحتضن العديد من المذاهب والأديان والثقافات والأعراق والأجناس، يتعايشون جميعا معا في محبة وسلام ووئام»، مشددا سموه على أن «كل من يحاول المساس بهذا النسيج الرائع لن يجنى سوى الخيبة وهذا ما يؤكده تاريخ البحرين».
الولاء للوطن هو المعيار
وردا على سؤال حول العلاقة بين الدولة والجمعيات في مملكة البحرين، رغم التوجس حيال العلاقة مع التيارات الدينية في المنطقة؟، قال رئيس الوزراء البحريني إن معيار المواطنة في مملكة البحرين هو الولاء للوطن، ووضع مصالحه العليا فوق كل اعتبار، مؤكدا أن حرية الرأي والتعبير متاحة ومصونة وفق الدستور، وأن الجمعيات التي تحمل ترخيصا وتمارس عملها وفق القوانين وتلتزم باحترام هذا القانون هي جمعيات ملتزمة برسالتها الوطنية الرامية الى تعزيز قدرات الوطن والحفاظ على مكتسباته وغير ذلك لن نسمح لأحد أن يخترق وحدتنا ونسيجنا الوطني.
«الإمارات .. حكاية وطن».. هدية «البيان »
المنامة – غازي الغريري
أشاد رئيس الوزراء البحريني الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بتطور دولة الإمارات العربية المتحدة والنهضة التي شهدتها منذ عهد الآباء والأجداد، والتي جاءت بفضل الحكمة والنظرة الثاقبة لدى حكامها.
وأكد رئيس الوزراء خلال تسلمه كتاب «الإمارات.. حكاية وطن»، الصادر عن دار «البيان» والذي أهداه رئيس التحرير ظاعن شاهين إليه على هامش الحديث الصحافي، على عمق العلاقات التاريخية التي تربط المملكة بدولة الإمارات انطلاقاً من المصير المشترك.
وأثنى الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة على الجهد المبذول في الكتاب الذي يوثق المراحل التي مرت بها دولة الإمارات وما تحقق من منجزات في مختلف المجالات، وعلى الصعد كافة، وما يستشرفه من آفاق للمستقبل وما تتطلع له الإمارات أن يكون واقعا ملموساً، وأشاد بفكرة توثيق ما تشهده بلدان دول مجلس التعاون من إنجازات عبر عقود مضت، وأعرب عن أمله في أن تحذو المؤسسات الصحافية والبحثية حذو «البيان».