من الواضح أنه مهما كان مآل الحرب الدائرة رحاها في مالي هذه الأيام بين جماعات مسلحة مختلفة من جهة، والجيش النظامي المالي، مدعوماً من فرنسا ودول أخرى، من جهة ثانية، فإن الجزائر تبدو من أكبر الخاسرين، حيث دفعت فاتورة باهظة على المستوى الأمني بعد إعلان كتيبة «الموقعون بالدم» تنفيذها عملية عين أميناس انتقاما من فتح الجزائر مجالها الجوي أمام المقاتلات الفرنسية لضرب المتشددين في مالي.
ولدى الجزائر الكثير مما تخشى عليه باعتبارها أكبر بلد في إفريقيا فضلا عن أنها دولة غنية بالغاز والنفط ومصدرة لهما تشترك مع مالي في حدود يبلغ طولها ألفي كيلومتر وتعتبر نفسها قوة إقليمية كبيرة.. ولاتزال تتعافى من تداعيات صراعها مع الإسلاميين المسلحين الذي قالت جماعات دولية معنية بحقوق الإنسان إنه أودى بحياة أكثر من 200 ألف شخص على مدى 20 عاماً.
هز استقرار الجزائر
وقال الكاتب الفرنسي بيار روسلان في صحيفة «لو فيغارو»:إن «الجزائر هي مفتاح الحرب على الإرهاب الإسلامي في مالي. فرنسا تدرك ذلك والعدو أيضاً». وأضاف: «الفرنسيون لم يألوا جهداً في الحصول على مساندة الجزائر التي لولاها لما كان الهجوم الفرنسي قد نجح»، وتابع: «والأعداء أيضاً سارعوا إلى محاولة هزّ استقرار الجزائر أولاً».
وسبق أن عبرت الجزائر عن قلقها البالغ مما حدث في ليبيا من المساعدات الغربية لتلك الجماعات الجهادية المقاتلة، غير التدريبات من قبل القوات الخاصة الأميركية والفرنسية، مع تدفق الأسلحة من كل النوعيات، وحدث ما توقعت الجزائر أن تفيض تلك الأخطاء القاتلة وتغمر ما يجاور ليبيا من دول، ثم تصل إلى الجزائر.
من ناحية تحولت ليبيا الي ملاذ لجماعات العنف الجهادية، واستطاعت عناصر من القاعدة التسلل بين دول المغرب العربي، وحدث ما سبق مثله في العراق وفي أفغانستان. انتقلت تلك الجماعات المسلحة من ليبيا إلى مالي ثم إلى الجزائر للانتقام من استعمال هذه الأخيرة مجالها الجوي في التدخل الفرنسي في مالي.
«أفغانستان» الساحل الإفريقي
ويؤكد محللون أن عاصفة الصحراء بدأت في مالي ونقل الاسلاميون معركتها الى الجزائر، التي أبدت تخوفها وقلقها العميق من أن تتحول مالي الى «أفغانستان» الساحل الإفريقي وهي منطقة صحراوية تمتد عبر عشر من أشد دول العالم فقرا جنوب الصحراء.
وتطرح عملية عين أميناس الإرهابية التي وصفتها العديد من التقارير بالنوعية، العديد من التساؤلات حول مستقبل الوضع في منطقة الساحل، وخصوصا الصحراء الجزائرية، مثلما تطرح علامات استفهام كبيرة بشأن كيفية تمكن المجموعة الإرهابية من الدخول إلى منشأة غازية ضخمة واستراتيجية، لم يحدث أن شهدت الجزائر مثيلا لها، حتى في قمّة أوج النشاط الإرهابي.
حيث لم تستطع كل الجماعات الإرهابية المسلحة طيلة العشرين سنة الماضية من حربها على النظام الجزائري من المس بالمنشآت النفطية التي بقيت في منأى عن العمليات الإرهابية بفعل التحصينات الأمنية الكبيرة التي تقيمها القوات الجزائرية.