عشية أجواء مضطربة زادها سخونة تشييع جنازة المعارض التونسي اليساري شكري بلعيد، حرق مقر لحركة النهضة التي حشدت في الشارع تظاهرات كبيرة مضادة للهجمة الشعبية عليها دفاعا عما سمته «شرعية المجلس التأسيسي» و«ضد العنف» وكذلك تدخل فرنسا في شؤون تونس.. في حين خيم هدوء حذر على العاصمة التونسية وسط انتشار كثيف للجيش في العديد من الشوارع.
ووسط انتشار واسع للجيش، عاد الهدوء إلى العاصمة التونسية أمس. وأعادت المتاجر والمطاعم فتح أبوابها في شارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة الذي شهد احتجاجات مناوئة للحكومة منذ مقتل بلعيد أمام منزله. وتسبب الإضراب العام الذي ساد تونس أول من أمس بمناسبة جنازة بلعيد في توقف النشاط الاقتصادي وأدى إلى إلغاء الرحلات داخل وخارج المدينة. وقال مواطنون كانوا يسيرون في شارع الحبيب بورقيبة بوسط تونس «أنهم يشعرون بالاسى من الاوضاع الحالية في البلاد».
يأتي ذلك، فيما أحرق متظاهرون الليلة قبل الماضية مقرا لحركة النهضة ومقر جمعية إسلامية محسوبة عليها وثلاثة مكاتب داخل مبنى المعتمدية في مدينة سوق الجديد من ولاية سيدي بوزيد.
وأوضح مصدر أمني أن أعمال الحرق جرت وسط غياب تام لقوات الامن ورجال الاطفاء. وأضاف إن الشرطة استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع واطلقت الرصاص في الهواء لتفريق شبان حاولوا سرقة مستودع تابع للجمارك في مركز ولاية سيدي بوزيد. وأردف القول إن المسؤولين عن مكتب حركة النهضة في مركز ولاية سيدي بوزيد أخلوا المكتب من التجهيزات والوثائق تحسبا لتعرض المكتب إلى الحرق.
الثورة المضادة
وفي مسعى منه لمحاولة تهدئة الموقف، حاول زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي التخفيف من وطأة اغتيال بلعيد بالقول إن عملية «الاغتيال الآثم لا تخرج عن معتاد الثورات قديما وحديثا». وأضاف أن عملية الاغتيال «جزء من ضريبة التحول الذي تعيشه تونس وحدثت في ثورات سابقة». وأضاف رئيس حركة النهضة الذي اتهمته عائلة شكري بلعيد باغتياله «لا أحد يمكن أن يصدق أن الحاكمين من مصلحتهم اغتيال بلعيد». واتهم الغنوشي ما اسماه بـ«الثورة المضادة» بالوقوف وراء اغتيال شكري بالعيد الذي قتل بالرصاص أمام منزله في العاصمة تونس صباح الاربعاء الماضي.
وقال الغنوشي إن الثورة المضادة «تستعين بالدول والاوضاع الخارجية التي ترى في نجاح النموذج التونسي خطرا عليها وعلى مصالحها ونماذجها الداخلية». وأردف القول: «تلتقي مصلحة الثورة المضادة مع مصالح دول عربية وغير عربية في الزج ببلادنا في بوتقة الفتنة». وحذر من أن «العنف يريد أن يفرض على التونسيين لغة جديدة للتخاطب»، وفق تعبيره.
الرد بالتظاهرات
في غضون ذلك، تظاهر مؤيدو حركة النهضة في العاصمة دفاعا عما سموه «شرعية المجلس الوطني التأسيسي» و«نبذ العنف» والتنديد «بالتدخل الفرنسي» إثر التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس الذي ندد هذا الاسبوع بما وصفه بـ«الفاشية الإسلامية».
وتظاهر أكثر من ثلاثة آلاف من أنصار حركة النهضة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة بدعوة من الحركة دفاعا عن «شرعية الحكم» ولادانة «التدخل الفرنسي» في الشؤون التونسية.
ورفع المتظاهرون أعلام تونس وحركة النهضة وحزب التحرير الاسلامي. ورددوا شعارات من قبيل «الشعب يريد حماية الشرعية» و«الشعب يريد النهضة من جديد» و«فرنسا ارحلي» و«وحدة وطنية ضد الهجمة الخارجية». كما رددوا شعارات معادية لحزب «نداء تونس» ولرئيسه الباجي قايد السبسي الذي دعا إلى حل المجلس التأسيسي إثر اغتيال بلعيد.
وزير الدفاع يدعو إلى تجنيب الجيش التجاذبات السياسية
في تصريحات نادرة، دعا وزير الدفاع التونسي عبدالكريم الزبيدي والذي لا ينتمي لأحزاب الائتلاف الحاكم، إلى إبعاد الجيش عن «التجاذبات» السياسية التي تمر بأزمة سياسية حادة.
وقال الزبيدي لقناة «نسمة» الخاصة إن المؤسسة العسكرية تعهدت بحماية أهداف الثورة وهي تواصل حماية أهداف الثورة. وأضاف الزبيدي ان مؤسسة الجيش: «لا تخدم أحزاباً ولا أشخاصاً خاصة أن البلاد لا تزال في حاجة إليها»، ولذلك: «فلنتركها في منأى عن كل التجاذبات السياسية». وشدد الوزير التونسي أن جيش بلاده لا «يعمل بالتعليمات والتوصيات» في إشارة إلى تقاليد جيش تونس الجمهوري الذي لا يتدخل في الحياة السياسية.
وأكد الزبيدي أن «الجيش يعرف ماذا يفعل وقد عمل بالطريقة نفسها مع كل الحكومات وحتى في غياب السلطة عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والفراغ السياسي والشرعي عرف كيف يشتغل وكيف ينقذ البلاد». وأردف القول: «هذا الكلام قلته في عديد المناسبات وفي جلسة ضمت الرؤساء الثلاثة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي حتى تكون المؤسسة بعيدة كل البعد عن التجاذبات السياسية».
وجاءت تصريحات وزير الدفاع في معرض تعليقه على تصريحات أدلى بها وزير الدولة للخارجية والناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر الهادي بلعباس شريك حركة النهضة الإسلامية الحاكمة في الائتلاف الحاكم.
وكان بلعباس صرح خلال مشاركته في برنامج حواري تلفزيوني مباشر أن المنصف المرزوقي سخر الجيش الوطني لتأمين جنازة المعارض اليساري شكري بلعيد. وعلق الزبيدي: «منذ الخميس وأنا أسمع أن الجيش له تعليمات وسخروه لتأمين موكب دفن جثمان بلعيد وأريد أن أقول إن الجيش لا يعمل بالتعليمات والتوصيات».
وأضاف وزير الدفاع مخاطباً بلعباس: «قلت إن رئيس الجمهورية سخر المؤسسة العسكرية لتأمين موكب الدفن، هذا ليس صحيحاً وحتى وان كان صحيحاً فإن مثل هذا الكلام لا يجب أن يصدر إلا من رئيس الجمهورية وليس من ناطق رسمي باسم حزب من الأحزاب». وأشار الوزير إلى أن هذه المرة الأولى التي يتدخل فيها في وسيلة إعلام تونسية منذ تسلمه حقيبة الدفاع قبل أكثر من عامين. يشار إلى أن رئيس الجمهورية في تونس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
إلى ذلك، أعلن الوزير التونسي أن الجيش قام بتأمين ضريح بلعيد، وذلك بعد ورود أنباء عن اعتزام سلفيين نبش قبره وإخراج جثمانه بدعوى انه «كافر وملحد» ولا يجوز دفنه في مقابر المسلمين، حد رأيهم. وقال الزبيدي إن الجيش اتخذ «كل الاحتياطات وقام بتأمين الضريح» حتى قبل ورود الأنباء المتعلقة باعتزام سلفيين تدنيس قبر بلعيد المعارض اليساري. وردد نشطاء إنترنت على هذه الدعوات بنشر حوار تلفزيوني سابق مع شكري بلعيد قال فيه إن والده حفظه القرآن منذ صغره وانه حفظ بدوره القرآن لابنته.
استعراض قوة
وصف بعض المراقبين تظاهرات المعارضة خلال تشييع جنازة شكري بلعيد بأنها «استعراض للقوة». وتحولت مسيرات تشييع بلعيد إلى احتجاجات مناوئة للحكومة وحركة النهضة، ما تسبّب في حرق عدد من مكاتبها.
لا تعليق
امتنعت باريس عن التعليق على الدعوة إلى التظاهر التي وجهها الاسلاميون الحاكمون في تونس للدفاع عن «شرعية» الحكم وادانة «التدخل الفرنسي» أيضا بعد تصريحات وزير فرنسي أحدثت ردود فعل حادة في العاصمة التونسية. وذكرت وزارة الخارجية الفرنسية أنها لا ترغب في «الادلاء بتعليق» على الدعوة إلى التظاهر التي وجهتها حركة النهضة للتنديد «بالتدخل الفرنسي» بعد تصريحات وزير الداخلية الفرنسية مانويل فالس.