في خطوة مفاجئة دفعت الوضع السياسي في تونس إلى غياهب منزلق جديد، انسحب حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي ينتمي إليه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي من الحكومة مبرراً قراره بأن مطالبه بإجراء تغييرات في الحكومة لم تنفذ.. في وقت تم الإعلان عن تشكيل «اللجنة الوطنية للدفاع عن الشهيد شكري بلعيد» تزامناً مع اعتراف الجبالي بفشل حكومته في حماية الثورة على إثر اغتيال بلعيد.
وفي حين دخل رئيس الوزراء حمادي الجبالي في مشاورات مع الفرقاء السياسيين تمهيداً لإعلان أسماء حكومة التكنوقراط أواسط الأسبوع المقبل على أقصى تقدير.. أعلنت وزارة الداخلية مقتل شرطي وإصابة 59 شخصا واعتقال 375 آخرين خلال الاضطرابات التي هزت البلاد هذا الأسبوع.
وقال المسؤول في الحزب سمير بن عمر إن حزب المؤتمر يقول منذ أسبوع انه إذا لم يتم تغيير وزيري الخارجية والعدل فإنه سينسحب من الحكومة. وأضاف أن هذا القرار لا علاقة له بقرار رئيس الوزراء تشكيل حكومة من التكنوقراط.
ومن المنتظر أن يعقد الحزب مؤتمرا صحافيا اليوم للإعلان عن نتائج الاجتماع الذي عقده مكتبه السياسي الليلة قبل الماضية والذي أقرّ فيه مبدأ الانسحاب من الحكومة تنفيذاً لقرار المجلس الوطني للحزب والذي كان أعطى مهلة للجبالي لإعلان التعديل الوزاري كان أجلها منتصف الليلة قبل الماضية.
وقالت مصادر مطلعة لـ «البيان» إن عدداً من قياديي الحزب دعوا إلى تأجيل موعد الانسحاب نظرا للظروف الاستثنائية التي تعرفها البلاد على إثر اغتيال بلعيد ،غير أن الأغلبية كانت مع مبدأ الانسحاب خصوصا في ظل إصرار الجبالي على تشكيل حكومة تكنوقراط.
لمسات أخيرة
في الأثناء، ذكرت مصادر مطلعة أن الجبالي بصدد وضع اللمسات الأخيرة على التعديل الحكومي الذي سيشمل أغلب الوزارات بما فيها وزارات السيادة ولن يبقي من الحكومة الحالية إلا على الوزراء التكنوقراط وغير المتحزّبين ومن بينهم وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي ووزير التجهيز محمد سلمان ، ووزير الثقافة مهدي مبروك ، وهو ما ترفضه قيادة حركة النهضة.
انطلاق المشاورات
ومن المنتظر أن تنطلق بداية من صباح اليوم مشاورات الجبالي مع زعماء الأحزاب السياسية وقوى المجتمع المدني ورؤساء الكتل النيابية داخل المجلس التأسيسي لضمان أكبر نسبة توافق معهم حول الحكومة المقبلة.
وقالت مصادر مطلعة إن المشاورات ستشمل حركة نداء تونس بزعامة الباجي قايد السبسي والجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار والتحالف الديمقراطي وحزب المبادرة والعريضة الشعبية وحركة النهضة وعدد اًمن الأحزاب والحركات الأخرى إضافة الى عدد من الشخصيات الوطنية المستقلة.
ودعا الجبالي الطبقة السياسية في بلاده إلى عدم الدخول في متاهات قد لا تحمد عقباها. وقال الجبالي في تصريحات صحافية إن «الوضع في تونس حساس للغاية وعلينا جميعا تحمل مسؤولياتنا»، موضحا أنه يتحمل المسؤولية الكاملة في الأوضاع التي تمر بها بلاده على حد قوله.
وفي رسالة وجهها الى الفرقاء السياسيين، حصلت «البيان» على نسخة منها، اعتبر الجبالي أن اغتيال بلعيد أكّد فشل الحكومة في حماية الثورة.
وقال الجبالي « جاء الحدث معلنا فشلنا جميعا سلطة ومعارضة في حماية الثورة من أعدائها وفي حماية البلاد من خطر الاستقطاب، وجاء الحدث ثمرة سيئة ومرت لشهور طويلة من التجاذبات والشحن والسباب والشتائم.
وجاء مؤذنا أن أعداء الثورة خطوا خطوة متقدمة في التآمر على البلاد...وإني من موقع المسؤولية أهيب بكل التونسيين وبكل العقلاء في كل العائلات السياسية والفكرية أن تتآزر جهودهم من أجل تجنيب البلاد متاهات العنف والتقاتل، ومن جهتي سأعمل وأسعى على حفظ أمن التونسيين وحفظ حرماتهم وعلى تعقب المجرمين الذين اغتالوا ثورة شعب بأسره وطموحه وتوقه إلى بناء دولته دولة الحرية والديمقراطية والكرامة» .
قتيل وعشرات المصابين
ميدانياً، أفادت وزارة الداخلية أن الاضطرابات التي هزت تونس منذ صبيحة الأربعاء الماضي مع اغتيال بلعيد كانت حصيلتها مقتل شرطي وإصابة 59 شخصاً.. فضلاً عن اعتقال 375 آخرين.
ونقلت وزارة الداخلية في بيان لم تشر فيه إلى حصيلة المدنيين، عن تعرض عشرة مراكز شرطة لهجمات بين الاربعاء والجمعة الماضي. كما لم تشر عن مقرات حركة النهضة الاسلامية التي تعرضت الى هجمات وعمليات نهب وحرق خلال المواجهات.
وجاء الكشف عن هذه الحصيلة متزامناً مع الإعلان عن تشكيل اللجنة الوطنية للدفاع عن الشهيد شكري بلعيد.
وتتألف هذه اللجنة من أكاديميين وحقوقيين وسياسيين وإعلاميين ، سيعملون على تكوين مركز لمتابعة كل جديد في قضية اغتيال بلعيد على الصعيد الوطني والدولي.
بالمقابل، شددت حركة النهضة عزمها على المتابعة القضائية لكل من تجرّأ على اتهام رئيسها راشد الغنوشي باغتيال بلعيد. على حدّ ما جاء في بيان رسمي صادر عن مكتبها السياسي. وقالت الحركة إنّ هذه المتابعة القضائية ستشمل السياسيين والإعلاميين «الذين يتاجرون بدم الفقيد لحسابات سياسية ضيقة على حساب الحقيقة وكشف الجناة وإنقاذ تونس والثورة من المخطط الجهنمي الذي يراد لها من وراء هذه الجريمة النكراء».
الغنوشي: لست بن علي وبلعيد ليس البوعزيزي
وصف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذين يتهمون حركته بالوقوف وراء عملية اغتيال المعارض السياسي شكري بلعيد بالمتربصين والذين فشلوا في الانتخابات وأمام صناديق الاقتراع ولم يتمكنوا من إقناع الشعب برؤيتهم وأفكارهم.
وقال الغنوشي إنه ليس الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وأن شكري بلعيد ليس محمد البوعزيزي الذي يعتبره المراقبون مفجر ثورة «الياسمين».
وأضاف الغنوشي في تصريحات صحافية «يعتقدون أن الثورات تصنع بالسيناريوهات، وأن هناك بوعزيزي جديد هو شكري بلعيد، وأن هناك بن علي جديد هو الغنوشي، فلتقم الثورة، هذه سذاجة غريبة، ومحاولة للقفز على الحقيقة، هل يمكن لعاقل أن يعتقد أنه من مصلحتي أو مصلحة حركة النهضة تفجير الوضع القائم بأي طريقة».
واعترف الغنوشي بأن تونس تعيش وضعا صعبا لكنه شدد على التمسك بمبدأ الاعتدال ورفض التطرف والغلو مؤكدا أن حركة النهضة ترفض التورط في خلق حالة من التصادم مع خصومها رغم أنهم يسعون إلى جرها مطمئنا التونسيين بأن ذلك لن يحصل.
واستبعد حدوث أي انقسام في حركة النهضة على خلفية دعوة رئيس الحكومة حمادي الجبالي إلى تشكيل حكومة كفاءات لافتا أن اجتماع المكتب التنفيذي ومجلس الشورى للحركة سينعقد اليوم للنظر في مقترح الجبالي قبل إصدار الحكم النهائي عليه. كما أعرب رئيس حركة النهضة عن أمله في ألا يستقيل رئيس الحكومة الذي يود التواصل معه لأن ظروف تونس لا تسمح بذلك على حد قوله.
وأبدى تمسكه بالحوار الوطني الذي من شأنه أن يحسم جملة من القضايا أبرزها الدستور والقانون الانتخابي.
من جهة أخرى، شدد الغنوشي على أن الجيش التونسي لن يحل محل السياسيين لحل مشاكل البلاد.
أرملة بلعيد تطلب الحماية
طالبت أرملة المعارض العلماني البارز شكري بلعيد وزارة الداخلية التونسية بتوفير حماية رسمية لعائلتها قائلة إنها ستحمل الوزارة مسؤولية أي اعتداء على أي فرد من العائلة.
وقالت بسمة بلعيد: «بعد مقتل شكري انا اطالب وزارة الداخلية بتوفير حماية رسمية لي أنا وبناتي.. وأحذر من أي مكروه سيحصل للعائلة تتحمل مسؤوليته وزارة الداخلية».البيان