أصيبت المدن التونسية بشلل أمس جراء إضراب عام دعت إليه أكبر نقابة في البلاد احتجاجاً على اغتيال النائب اليساري المعارض محمد البراهمي، حيث أقفلت جميع المتاجر وألغيت كل الرحلات الجوية بالموازاة مع حالة الحداد الوطني، وسط استمرار التظاهرات، في حين وجهت وزارة الداخلية أصابع الاتهام إلى سلفي متشدد يدعى بوبكر الحكيم، قائلة إنه نفسه قاتل اليساري المعارض شكري بلعيد وبنفس السلاح.
وخيمت مشاعر الحزن والصدمة على المدن التونسية بعد يوم من اغتيال البراهمي وهو ثاني حادث اغتيال سياسي خلال العام الجاري بعد مقتل بلعيد في فبراير الماضي. كما شهدت كافة المناطق التونسية أمس إضراباً عاماً شمل جميع القطاعات، وشلّت حركة الطيران والقطارات والحافلات، حيث توقفت الرحلات من وإلى تونس. وهذا الإضراب الواسع هو الثاني منذ انتفاضة 2011. وكان الإضراب الأول جرى بدعوة من هذا الاتحاد النقابي غداة اغتيال بلعيد.
جنازة رسمية
وأعلنت الرئاسة التونسية يوم حداد وطني على أن يشيع النائب اليساري المعارض في المجلس التأسيسي (البرلمان) اليوم السبت إلى مقبرة الجلاز في العاصمة بجانب ضريح بلعيد.
وأعلن الابن الأكبر للبراهمي أن الرئاسات الثلاث والحكومة ونواب الترويكا الحاكمة في المجلس غير مرحب بهم في جنازة والده، مضيفاً أن العائلة لن تقبل التعازي إلا عندما يتم الكشف عن القتلة.
وكلف الرئيس المنصف المرزوقي رئيس أركان جيش البر أمير لواء محمد الصالح حامدي بتنظيم جنازة وطنية للمعارض اليساري، وأمر اللواء حامدي بالإشراف على الترتيبات المتعلقة بهذه الجنازة وتمثيله في مراسم الدفن التي ستقام اليوم.
قاتل واعتقال
في الأثناء، قال وزير الداخلية نذير بن جدو خلال مؤتمر صحافي: إن وفاة البراهمي جاءت إثر نزيف دموي بعد ان اطلقت عليه أربع عشرة رصاصة من شخصين كانوا على دراجة نارية بلباس اسود وأحدهما يعتمر قبعة حمراء.
وأفاد بن جدو أن البراهمي «قتل بنفس السلاح الذي اغتيل به بلعيد وهو مسدس من عيار 9 ملم، مضيفاً أن المتورط في القتل هو «بوبكر الحكيمي، وهو سلفي متشدد تكفيري سبق وأن ادخل سلاحاً إلى البلاد، فضلاً عن شخص آخر يدعى لطفي الزين متورط في عمليتي الاغتيال». ولفت إلى وجود 14 مشتبهاً، ثمانية منهم فارون.
وعرض بن جدو صورة القاتل المفترض أمام الصحافيين، مؤكداً أنه على علاقة وثيقة بكمال القضقاضي الذي أطلق النار على بلعيد. وأردف: «قبضنا على شخص منذ أيام يدعى صابر المشرقي، وهو متورط في اغتيال بلعيد وأودع السجن، حيث أكد ضلوع الحكيم في اغتياله».
ودعا وزير الداخلية المتظاهرين الى «التزام السلمية في احتجاجاتهم»، معتبراً أن «هناك عناصر اجرامية تستغل التظاهرات لاقتحام وحرق مؤسسات عمومية وإدارات».
مسيرة حاشدة
ونظّم الاتحاد العام التونسي للشغل مسيرة حاشدة شاركت فيها منظمات المجتمع المدني والنقابات، وانطلقت المسيرة من ساحة المقر المركزي للاتحاد إلى شارع الحبيب بورقيبة رافعة عدداً من الشعارات من بينها «لا حكومة بعد الدم» و«العصيان العصيان حتى يسقط الإخوان».
تحركات شعبية
وخرجت في ولاية (محافظة) سيدي بوزيد حركة احتجاجات واسعة ومسيرات غضب لليوم الثاني، كما اجتمعت القيادات الحزبية في الولاية وقيادات الاتحاد المناطقي للشغل والمجتمع المدني لتشكيل سلطة جديدة تدير شؤون الجهة بعد إعلان سحب الاعتراف من الحكومة الحالية.
وقال الأهالي إن السلطة الحالية «انتهت شرعيتها وفشلت فشلاً ذريعاً في تولي وتسيير البلاد على الخطى الصحيحة التي قامت من أجلها الثورة». كما شهدت ولايات عدّيدة، من بينها صفاقس والمنستير وباجة وقفصة والكاف والقيروان ومدنين والمهدية وبنزرت وسوسة، مسيرات احتجاج تدعو الى إعلان العصيان المدني حتى إسقاط الحكومة، فيما شهدت بعض الولايات اقتحامات لمراكز الحكم المحلي فيها والسيطرة عليها وطرد المسؤولين الحكوميين.
جبهة إنقاذ
من جهة أخرى، أعلنت مجموعة من الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني المجتمعين تشكيل جبهة للإنقاذ الوطني تهدف إلى تشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ الوطني الممثلة للأحزاب السياسة ومكونات المجتمع المدني التي ستتولى، بالاستعانة مع خبراء القانون الدستوري، استكمال صياغة الدستور في غضون شهرين يعرض على الاستفتاء الشعبي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشح في الانتخابات المقبلة متطوعة برئاسة شخصية وطنية مستقلة متوافق عليها تتخذ ضمن برنامجها جملة من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية و السياسية والأمنية، وتعد لانتخابات.
استقالة نواب
وبالتوازي، أعلن النائب في المجلس التأسيسي مراد العمدوني استقالته إثر اغتيال د. البراهمي. وأفاد العمدوني، العضو في التيار الشعبي، أنّ خيار الاستقالة كان مطروحاً داخل التيار الشعبي.
وأعرب نواب الكتلة الديمقراطية عن استعدادهم للاستقالة الجماعية، في حين جمّد نواب الجبهة الشعبية نشاطهم، ومن المنتظر أن يعلنوا عن استقالتهم خلال اليومين المقبلين.