شهد صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، المحاضرة التي ألقاها الدكتور محمد عتيق الفلاحي الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر، بعنوان «الهلال الأحمر الإماراتي - مسيرة تحديات وإنجازات»، وذلك في إطار برنامج المحاضرات والأمسيات الفكرية والعلمية الرمضانية التي ينظمها مجلس سمو ولي عهد أبوظبي بقصر البطين.
وحضر المحاضرة سمو الشيخ عبدالله بن راشد المعلا، نائب حاكم أم القيوين، وسمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل حاكم أبوظبي في المنطقة الغربية، والفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ نهيان بن زايد آل نهيان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة زايد ين سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، وسمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وعدد من الشيوخ والوزراء والضيوف وكبار المسؤولين ورجال السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى الدولة.
لحظة التأسيس
واستعرض المحاضر تأسيس هيئة الهلال الأحمر لدولة الإمارات العربية المتحدة وارتباطها بالاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر ومشاريع الهلال الأحمر داخل وخارج الدولة والتحديات والإنجازات التي حققتها الهيئة واختتمها بعرض فيلم حول مسيرة الهيئة في العديد الدول التي امتدت إليها يد العون والمساعدة من دولة الإمارات.
وأعرب الفلاحي عن أمله في أن يتم توثيق أعمال الشيخ زايد الإنسانية حول العالم حيث إنه قام بأدوار كبيرة منها ما نعلمه ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، مشيراً إلى أن الهيئة بصدد الانتهاء من دراسة لتوثيق ما قام به الشيخ زايد من أعمال إنسانية. ورفع أسمى آيات الشكر والتقدير إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على توجيهاته سموه إلى الهيئة لمساعدة البشرية ورفع المعاناة عما يشعر به إخواننا من المسلمين وغير المسلمين.
عمل الخير
وقال الدكتور الفلاحي: إن الشخص الذي يريد أن يتكلم عن عمل الخير لا يعرف من أين يبتدئ ومن أين ينتهي وخاصة إذا كان هذا العمل مرتبطاً بدولة الإمـارات التي تفخر بمؤسساتها وهيئاتها وجمعياتها وصناديقها الخيرية، مؤكداً أن الهلال الأحمر ذراع الإمارات للعمل الإنساني دولياً ومحلياً.
وأضاف أنه منذ تأسيس دولة الإمارات بقيادة المغفور له الشيخ زايد، رحمه الله، والدولة تضع الإنسان في بؤرة اهتمامها، وتولي قضايا الشعوب الشقيقة والصديقة كل الاهتمام وتعمل من أجل إرساء أسس التعاون والمحبة والسلام وتوجيه الجهود للبناء والتنمية وتوفير مستقبل آمن للأجيال وفي هذا الإطار يأتي تأسيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي كنافذة للإمارات على العمل الإنساني.
وأوضح أن الهيئة تأسست تحت مسمى جمعية الهلال الأحمـر سنة 1983 وفي سنـة 1986 أصبـحت العضـو رقم 139 في الاتحـاد الدولـي لجـمعيات الصليب الأحمـر والهلال الأحمر، وفي سنة 2002 أصدر المغفــور لـه بإذن الله المرحوم الشيخ زايـد مرسوماً اتحاديـاً بتحويـل هذه الجمعيـة إلى هيئـة اتحـاديـة مستقلـة، مشيراً إلى أن الهيئـة هي واحدة من الجمعيات الوطنية والتي يبلغ عددهم 188 حول العالم تعـمل تحت مظلة الاتحاد الدولي الذي تأسـس سنة 1919 ومقره جنيف وأنشئ في فترة كانت تسودها النزاعات والحروب والمعاناة الإنسانية.
وأشار إلى أن هذه الهيئات تجمعها سبعة مبادئ أساسية تعتبر العقيدة التي تتحرك من خلالها وهي الإنسانية وعدم التمييز والحياد والاستقلال والخدمة التطوعية والوحدة والعالمية، بالإضافة إلى القوانين والأعراف التي تعمل بها المنظمات الإنسانية الدولية.
وتطرق المحاضر إلى الأدوار الداخلية والخارجية للهيئة، حيث تقوم على الصعيد الداخلي يدعم ومساندة المؤسسات الرسمية في ثلاثة جوانب مهمة وهى قطاع الصحة وقطاع التعليـــم ودعم المعاقين، بالإضافة إلى تبني الهيئة لمشروعين مهمين هما مشروع «حفظ النعمة» الذي يأتي محاولة من الهيئة لإعادة توزيـع الفائض من المأكل والمشرب والملبس الزائد في المناسبات والأعياد والأعراس وتوزيعها على المحـتاجين والمعوزين والفقراء، وذلك بالشراكة مع جهات مثل جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية وهيئة البيئة، والمشروع الثاني «الغديــر» الذي يهدف إلى توفير دخل ثابت للأسر المتعففة والنساء الحرفيات عن طريق تكليفهن بصناعة المشغولات التراثية اليدوية ثم يقوم الهلال الأحمر بتسويق هذه المنتوجات على المؤسسات والشركات ولدينا اتفاقية مع شركة طيران الاتحاد لتسويق منتجات الغدير على رحلات الشركة.
8 مليارات درهم
وأشار محمد الفلاحي إلى أن كلفة برامج ومشاريع الهيئة داخل وخارج الدولة خلال الفترة الممتدة من سنــة 1983 وحتى سنة 2013 بلغــت نحو 8 مليارات درهم وهي عبارة عن إغاثات ومشاريع خارجية وبرامج داخلية وكفالات أيتام استفادت منها 100 دولة حول العالم قيمة البرامج المحلية منها مليارا درهم، تشمل التعليم والصحة وكفالات أيتام ومساعدة أسر متعففة ومساعدة الأرامل والمطلقات ورعاية أسر السجناء الغارمين، بالإضافة إلى المشاريع الموسمية.
مشاريع خارجية
وأوضح أن البرامج والمشاريع الخارجية بلغت كلفتها نحو 6 مليارات درهم موزعة على الإغاثــة والمشاريع الخيرية والمشاريع الإنشائية والحملات الموسمية والمساعدات المقطوعة كان نصيب الأيتام منها ملياراً ومئة مليون درهم، حيـث بلغ عدد الأيتــام المكفولين بالهيئة 75 ألفاً و583 يتيماً وعدد الكفلاء 36 ألفاً و500 كفيل موزعين على 28 دولة، وتتميز الهيئة عن غيرها من الجمعيات الوطنية بمشروع كفالة الأيتام، مؤكداً أن هذه الجهود مجتمعة تعكس تفرد الإمارات بقيادتها الرشيدة وتبوئها مركز الصدارة في العمل الإنساني، بحيث أصبح اسم الإمارات مرادفاً للنشاط الخيري والإنساني ليس على مستوى المنطقة وحسب بل وفي العالم كله أيضاً.
العمل الخيري والإنساني
وتناول الفلاحي التحديات التي تواجه الهيئة، والتي أشار إلى أنها كثيرة وفي مقدمتها الالتباس بين العمل الإنساني للهيئة والعمل الخيري، حيث إن العمل الإنساني صفة مطلقة لا ينظر فيها الهلال الأحمر وقت المساعدة إلى لون أو عرق أو دين أو مذهب فهو ينظر لما تحتاج إليه البشرية من احتياجات إنسانية، عملاً بقول الله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً». وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «في كل كبِد رطبة أجرٌ»، ومن مآثر الشيخ زايد، رحمه الله، في هذا المجال أنه أمر بإرسال كميات من الدواء إلى البوسنة وعندما قيل له قد تصل بعض هذه الأدوية إلى الصرب فقال رحمه الله فليكن، أليسوا جرحى ومرضى يحتاجون إلى العلاج. أما العمل الخيري فهو صفة نسبية تختلف باختلاف الشعوب وتختلف باختلاف المعتقد وتختلف باختلاف الثقافات.
أموال المحسنين
وقال إن التحدي الثاني يتمثل في وجود مفهوم لدى البعض أن الهلال الأحمر يوجه مساعداته للخارج أكثر من الداخل، ولكن أجوبة هذا الاستفسار كثيرة ولكن اختصرها بإيضاحين فقط، الأول أن الأموال التي تأتينا من المحسنين والمتبرعين موجهة للخارج والسبب الثاني أن دولة الإمارات ولله الحمد من المواطنين والمقيمين يعيشون بنعمة ومتوافرة لهم كل سبل العيش الكريمة من مأكل ومشرب وبنى تحتية ومدارس ومستشفيات، فدولة الإمارات ولله الحمد دولة غنية ونسبة الفقر فيها قليلة مقارنة مع الدول الأخرى.
واستعرض الأمين العام للهلال الأحمر مبادرات الهيئة، ومنها قيادة التحالفات الإنسانية، وقد تجسد ذلك في كل من الصومـال واليمن وأخيراً الأردن، حيث يدير الهــلال الأحمـر المخيم الإماراتي الأردني، والذي يعمل فيه معظم المنظمات الدولية مثل منظمة الهجرة الدولية ومنظمة اليونيسيف والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وصــندوق الأمم المتحدة للطفولة وبرنامج الغذاء العالمي والتعاون المشترك بيننا وبين مدينة مصــدر وهي محاولة لاستدامة بعض المساعدات من خلال إيجاد طاقة بديلة في بعض البلـدان التي قامت الهــلال الأحمــر فيها بمشاريع إنسانية ويكمن ذلك جلياً في مخيم الهلال الأحمر الإماراتي الأردني والشراكة بين الهلال الأحمر ووزارة الخارجية ممثلة في سفاراتها بالخارج والقوات المسلحة الشريك الاستراتيجي للهيئة.
المرتبة 16 عالمياً
وأكد أن الهيئة حققت الكثير من الإنجازات خلال مشوارها ومن أهمها مساهمتها في رفع تصنيف دولــة الإمارات على سلم ترتيب الدول المانحة للمساعدات على مستوى العالم من المرتبة 26 إلى المرتبة 16 ونأمل أن تحرز الدولــة المراكز الأولى في هذا الجانب، وتمكين المواطن في العمل الإنساني من خلال توطين الوظائف القيادية بنسبة 100% والوظائف التنفيذية بنسبة 90% وإشراك المرأة في الوظائف القيادية والميدانية بالإضافة إلى إقامة المشاريع التنموية والمستدامة لإيجاد مصدر دخل دائم للفئات المستحقة مثل مشروع صندوق تأهيل المعاقين في فلسطين، وكذلك المشاريع التنموية الصغيرة في باكستان واليمن.
وفي رده على أسئلة الحضور قال الدكتور محمد الفلاحي: إن الهلال الأحمر ينطلق في أعماله وأنشطته من منطلقات واضحة إلا وهي سياسة الدولة المعتدلة في مجال المساعدات الإنسانية دون النظر إلى لون أو عرق أو جنس من تقدم لهم المساعدات من أجل رفع المعاناة عن البشرية جمعاء، وكذلك النداء الدولي من الاتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر من خطورة الكارثة نفسها مثل كارثة «تسونامي» حتى لا تتعدى الكارثة إلى مناطق أخرى.
فيلم وثائقي
تم خلال المحاضرة عرض فيلم وثائقي بعنوان «ومضات إنسانية» تناول دور الهيئة في العمل الإنساني والمساعدات الخارجية التي قدمتها الدولة للعديد من دول العالم وألقى الضوء على معاناة اللاجئين السورين ودور الهيئة في إغاثتهم بالمعسكر التي أقامته في منطقة «المريجيب الفهود» على الحدود الأردنية السورية من أجل الحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم. وتطرق إلى إغاثة الفلسطينيين وإنشاء المستشفيات والمراكز الطبية المجهزة في الأراضي المحتلة، وكذلك وقوف الهلال الأحمر مع الشعب اليمني الشقيق، وعندما ضرب الفيضان السودان، تم مد يد العون وإعادة الأمل لأبنائه، وكذلك في أفغانستان ومدغشقر والبوسنة وكوسوفو وباكستان وهايتي والصومال والفلبين وإندونيسيا.
زايد رجل فاق زمانه ويعجز الإنسان عن وصفه
تطرق الدكتور محمد عتيق الفلاحي الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر في محاضرته بعنوان «الهلال الأحمر الإماراتي ــ مسيرة تحديات وإنجازات» إلى بعض المواقف التي واجهت العاملين في الهيئة خلال قيامه بتقديم المساعدات، حيث أشار إلى أنه خلال زيارته إلى مالي شاهدنا اسم المغفور له الشيخ زايد في الشوارع والمباني، وأطلق المسؤولون هناك اسم زايد على جبل يضم مناجم مواد ثمينة تقديراً واعتزازاً بمؤسس دولتنا وصاحب الأيادي البيضاء في عمل الخير لهذا البلد الصديق.
وأشار إلى أنه أثناء زيارته إلى جمهورية مصر العربية لنقل مساعدات إلى غزة قال أحد السائقين إننا نترحم على الشيخ زايد كثيراً، وأرجع ذلك إلى بناء الشيخ زايد للعديد من المدن التي تحمل اسمه والتي يترحم سكانها يومياً عليه خلال انتقالهم من وإلى هذه المدن، حيث يقولون لسائقي المركبات نريد أن نذهب إلى مدينة الشيخ زايد رحمه الله. وأضاف الفلاحي أذكر أثناء تقديم المساعدات للشعب الليبي أثناء محنته، قال لنا شخص كبير في العمر لماذا جئتم إلى هنا في هذه الظروف؟ فقلت لمساعدتكم: فقال إن الذي أتى بكم هي روح الشيخ زايد الموجودة بينكم، مشيراً إلى أن الشيخ زايد رجل فاق زمانه ويعجز الإنسان عن وصفه.
واضح أن من المواقف التي تعكس تقدير واحترام العامل لدور الدولة في تقديم المساعدات ومد يد العون للأصدقاء في حال الكوارث أن الوفد الذي ذهب إلى هايتي بعد أن ضربها الزلزال المدمر، قال لهم رئيس الجمهورية عندما التقى بهم من أين أنتم، قال الوفد من الإمارات، فقال الرئيس: أنتم تركتم العالم وجئتم إلينا ونحن غير مسلمين فبكى الرئيس لاهتمام الإمارات ببلاده.
وأعرب الفلاحي عن أمله في أن يتم توثيق أعمال الشيخ زايد الإنسانية حول العالم، حيث إنه قام بأدوار كبيرة منها ما نعلمه ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، ودعا إلى تشكيل لجنة ممثلة في وزارة الخارجية وسفاراتها والجهات الإعلامية والدائرة الخاصة للمغفور له الشيخ زايد وأصدقائه المقربين والجهات الخيرية لكي يوثقوا أعماله لتعريف الأجيال الجديدة بها، مشيراً إلى أن الهيئة بصدد الانتهاء من دراسة لتوثيق ما قام به الشيخ زايد من أعمال إنسانية.