ارتكب نظام بشار الأسد، أمس، جريمة مروعة أشبه بنسخة ثانية من مجزرة حلبجة التي ارتكبها البعث العراقي قبل ربع قرن، حيث دك الغوطة الشرقية لدمشق بالصواريخ الكيماوية في محرقة غير مسبوقة في تاريخ سوريا، أمام أعين المراقبين الدوليين وخلال وجودهم في سوريا للتحقيق في استخدام الكيماوي، وسط أنباء عن عدد ضحايا يصل إلى أكثر من 1600 وآلاف المصابين، فيما اتهم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المجتمع الدولي بالمشاركة مع النظام في قتل الشعب السوري بسبب صمته وعجزه إزاء «الهجوم الكيماوي».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومنظمات حقوقية وشهود عيان أمس: إن أكثر من 1600 قتلوا وأصيب آلاف المدنيين من جراء قصف بالغازات السامة على مناطق في الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق. وأكد المرصد أن القصف بالصواريخ الذي شنته قوات النظام طال أغلب مناطق الغوطة الشرقية.
فجر المجزرة
وأفاد شهود عيان لمراسل «البيان» في سوريا: «استفاق الأهالي على أصوات قويّة لصواريخ أرض-أرض يرجّح إطلاقها من أطراف القابون. وكانت زملكا هي البلدة الأولى التي شهدت سقوط الصواريخ، تلاها سقوط حوالي 15 صاروخاً على مناطق في الغوطة الشرقية (جوبر وسقبا وعين ترما وحزة دوما وعربين وحمورية».
وأردف الشهود: «خلفت هذه الصواريخ دخاناً رمادياً فاتحاً أدى إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين بعد أن أظهروا أعراضاً تنفسيّة حادة إضافةً إلى توسع في حدقة العين والاختلاجات في الجسم. وتواصَل الاستهداف ليشمل رقعة أوسع مع ضرب قرابة 10 صواريخ على مناطق في الغوطة الغربية (المعضميّة) إضافةً إلى استمرار غارات الطيران الحربي على هذه المناطق».
شهادات ميدانية
وأكد طبيب ميداني في زملكا لقناة «العربية» أن «أعراض الإصابة بالكيماوي كانت واضحة على الضحايا»، مشيراً إلى أن «الحصيلة في ازدياد ونعتقد أنه غاز السارين ونحن نعاني من قلة الأدوية الطبية لعلاج المصابين».
وأفاد أن «الإصابات في زملكا وحدها فاقت 200 إصابة»، وأن «المنطقة لا تحوي إلا على مستشفيين ميدانيين غير قادرين على إسعاف الكثيرين مع كثرة أعداد المصابين، وتبدو حالات الأطفال هي الأكثر صعوبة بسبب عدم قدرة الطفل على تنفيذ ما يطلبه منه الطبيب». وقالت الممرضة بيان بكر، التي تعمل في وحدة طوارئ، إن «عدد القتلى الذي تم حصره من مراكز طبية في دوما فقط بلغ 213 قتيلاً».
وأضافت: «الكثير من الضحايا من النساء والأطفال. وصلوا وبؤبؤ العين متسع وبأطراف باردة ورغاوي تخرج من أفواههم. يقول الأطباء إن هذه هي أعراض تظهر على ضحايا غاز الأعصاب».
الائتلاف ينادي
وطالب رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية أحمد الجربا مجلس الأمن بعقد «اجتماع عاجل» للبحث في مجزرة الغوطة. وقال بيان صادر عن الائتلاف نشر على صفحته على «فيسبوك»: إن الجربا «دعا مجلس الأمن إلى الانعقاد بشكل فوري لتحمّل مسؤولياته تجاه الجريمة التي ارتكبها الأسد ضد الإنسانية باستخدامه السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية».
كما طالب فريق الأمم المتحدة الموجود في دمشق بهدف التفتيش عن الأسلحة الكيماوية بـ«التوجّه إلى مكان المجزرة والوقوف عليها».
واتهم القيادي في الائتلاف جورج صبرة المجتمع الدولي بـ«الاشتراك مع الأسد في الجريمة». وقال في مؤتمر صحافي دعا اليه الائتلاف في اسطنبول: «من يقتلنا ويقتل أطفالنا ليس النظام وحده. التردد الاميركي يقتلنا، صمت أصدقائنا يقتلنا، خذلان المجتمع الدولي يقتلنا، لامبالاة العرب والمسلمين تقتلنا، نفاق العالم الذي كنا نسميه حراً يقتلنا ويقتلنا ويقتلنا».
وتابع: «إذا أدار العالم ظهره لنا بهذا الشكل، فلماذا نبقي وجهنا له؟. نحن أيضا يمكن أن ندير ظهورنا لعالم يتشدق بالحرية والديموقراطية ولا يفعل شيئا لهما. عالم يدعي التمسك بحقوق الانسان ويتخلى عن حمايته والدفاع عنه. عالم يدعي اهتمامه بصنع الحياة ويكتفي بالتفرج على صناع الموت»، على حد وصفه.
واعتبر صبرة أن «النظام السوري يسخر من الأمم المتحدة والقوى العظمى والدول الكبرى عندما يضرب أطراف دمشق بالسلاح الكيميائي أثناء حضور لجنة التحقيق الدولية، وهي على بعد خطوات من الضحايا والمناطق المنكوبة. فأين هو المجتمع الدولي وأين هيبته وكرامته وأي عالم نعيش فيه ليس فيه رادع للمجرمين والقتلة؟».
وتابع أن «أي حديث عن مؤتمر جنيف 2، وعن المشاريع السياسية لا يمكن أن يستمر مع استمرار هذه المجازر»، وأن ما يجري «يطلق رصاصة الرحمة على كل هذه الجهود السياسية السلمية ويجعل الحديث عنها نوعاً من العبث».
النظام ينفي
من جانبه، نفى نظام دمشق استخدام الأسلحة الكيماوية في ريف دمشق. وادعت القيادة العامة لجيش النظام في بيان أن «قنوات الفتنة والتضليل وسفك الدم السوري قامت كعادتها بالادعاء كذباً أن الجيش العربي السوري استخدم الاسلحة الكيماوية في مناطق ريف دمشق»، على حد وصفه.
واعتبرت قيادة الجيش أن «ما تدعيه هذه المجموعات الإرهابية والقنوات التي تدعمها بشأن استخدام الجيش العربي السوري لأسلحة كيماوية، ما هو إلا محاولة يائسة للتغطية على هزائمها على الأرض»، على حد تعبيرها.
من المجزرة
** بث ناشطون تسجيلات على موقع «يوتيوب» الالكتروني بشأن القصف تظهر عشرات الجثث بعضها لأطفال مغطاة جزئيا بأغطية بيضاء ممددة على أرض غرفة، في حين يصرخ المصور: «إبادة مدينة معضمية الشام بالسلاح الكيماوي».
** تظهر صورة قال نشطاء في دوما إنهم التقطوها جثث 19 شخصا بينهم 16 طفلا وهي مسجاة على الأرض في غرفة بمنشأة طبية نقلت إليها الجثث.
** قال خالد عمر أحد أعضاء مجلس المعارضة المحلي في عين ترما إنه رأى 80 جثة على الأقل في أحد مستشفيات عين ترما وفي مدرسة في حي سقبا القريب تقدم فيها الإسعافات الطبية الأولية.