أثارت القرارات التي أصدرها الرئيس محمد مرسي، ومنح بموجبها نفسه صلاحيات استثنائية مطلقة، شرخاً كبيراً في الشارع المصري بين معارض يتخوف من عودة الديكتاتورية بعباءة إسلامية، ومؤيد يرى فيها طريقاً لاختصار مرحلة انتقال ديمقراطي طويلة ومعقدة.
وغداة الإعلان الدستوري الثاني الذي أصدره مرسي، واشتمل على قرارات عدة، تصب جميعها في خانة تحصين القرارات الصادرة عنه منذ توليه الحكم من أي طريق من طرق المراجعة أو الطعن، بالإضافة لعزله النائب العام، خرجت إلى الشارع في عموم البلاد تظاهرات ومسيرات حاشدة، انقسمت بين مؤيد لهذه القرارات ومعارض لها.
وسعى مرسي من خلال هذا الإعلان الدستوري المفاجئ، إلى تحجيم دور السلطة القضائية التي تربطه بها علاقة سيئة، ليكون بذلك الرئيس، القابض أصلاً على السلطتين التنفيذية والتشريعية، قد أزاح من طريقه آخر عقبة أمام جمع السلطات الثلاث بيده، عن طريق كف يد السلطة القضائية عن أي تدخل في قراراته.
وبموجب الإعلان الدستوري الثاني إيضاً، لم يعد بإمكان السلطة القضائية حل الجمعية التأسيسية المكلفة وضع دستور جديد للبلاد، وهو ما كانت تعول عليه المعارضة الليبرالية التي تندد بهذه الهيئة، بسبب هيمنة الإسلاميين عليها. وإضافة إلى كل هذا، فإن القرارات التي أصدرها مرسي، تمنحه حق «أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة» إذا ما «قام خطر يهدد ثورة 25 يناير» التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير 2011.
ومن المفترض، بحسب قرارات مرسي، أن ينتهي مفعول كل هذه الصلاحيات الاستثنائية فور إقرار الدستور الجديد، وهو دستور لا يزال أمام ولادته مخاض عسير جداً.
سلطات فريدة
وبهذه الصلاحيات الاستثنائية المطلقة، أصبحت سلطات مرسي تفوق بكثير من تلك التي كانت في يد سلفه الذي اتهم بالاستبداد والتفرد في الحكم، بل وربما لم يسبق أن تفرد بها أي رئيس في أعتى الأنظمة الديكتاتورية، كما يقول منتقدو مرسي.
ومرسي الآتي من صفوف جماعة الإخوان المسلمين، والذي انتخب رئيساً في يونيو، متهم فوق هذا كله بالسعي تدريجياً نحو «أخونة الدولة»، مع تمكين الإخوان من كل مفاصل الدولة.
ولعل ما كتبه المعارض محمد البرادعي، الفائز بجائزة «نوبل» للسلام، على حسابه على «تويتر» إثر قرارات مرسي، يختصر الكثير من هذا إذ قال: «مرسي اغتصب اليوم جميع سلطات الدولة، ونصب نفسه فرعون مصر الجديد. ضربة قوية للثورة، ولها عواقب وخيمة».
ومن المقرر أن يتم عقب إقرار الدستور الجديد انتخاب مجلس شعب جديد، يحل محل المجلس الذي انتخب قبيل انتخاب مرسي، وفاز الإسلاميون بأكثرية مقاعده، لكن ما لبث أن تم حله بقرار قضائي.
لكن مراد علي الناطق باسم حزب الحرية والعدالة، المنبثق من الإخوان المسلمين، والذي ترأسه مرسي إلى حين انتخابه، يقول: «علينا أن ندفع الأمور في الاتجاه الصحيح». ويضيف: «نحن في حاجة إلى الاستقرار. هذا لن يتم إذا سمحنا مجدداً للقضاة بأن يقوموا، لدوافع شخصية، بحل الجمعية التأسيسية وإطالة أمد المرحلة الانتقالية».
ويردف مراد القول: «لا يمكننا إنجاز أي شيء في ظل الترصد الراهن، وهذا ما يريده خصوم الرئيس».
قرارات مفتوحة
أما المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إسكندر العمراني، المقيم في القاهرة، فيرى أن المشكلة في قرارات مرسي أنها «مفتوحة جداً».
ويوضح: «للوهلة الأولى، تبدو محاولة لإنهاء المرحلة الانتقالية، إلا أنها في الوقت نفسه تفتح الباب أمام قرارات أخرى، وإمكانية فرض أمور أخرى. مثلاً، قانون انتخابات يكون في صالح الإخوان المسلمين».
لكن القرارات التي أصدرها مرسي، تضمنت في ما تضمنت، مطالب لطالما رفعها الكثير من معارضيه من أنصار الثورة، ولا سيما إقالة النائب العام عبد المجيد محمود، المتهم بأنه «من فلول النظام السابق، وبأنه كان وراء تبرئة مسؤولين سابقين اتهموا بقتل المتظاهرين خلال الثورة».