فيما لا يزال التوتّر السياسي سيد الموقف في مصر بين الفصائل والتيّارات، خطا الدستور المصري أولى خطوتيه إلى أرض الواقع بإظهار النتائج موافقة أغلبية ضئيلة في انتظار رأي 17 محافظة السبت المقبل، فيما تعالت دعوات حقوقية مستقلة بإعادة الانتخاب نتيجة التجاوزات والانتهاكات التي شابته، وبينما غرس مرشّح رئاسي سابق أول دعوى قضائية في طريق الدستور الجديد، أكّد معارضون تهاوي ركائز الدولة وترسّخ الانقسام .. بالتزامن هوى الجنيه المصري إلى أدنى مستوياته أمام الدولار خلال تسع سنوات.
وأظهرت النتائج شبه النهائية للاستفتاء على مشروع الدستور المصري الجديد المصادقة عليه بـ «أغلبية ضئيلة» في 10 محافظات، إذ صوّت ما بين 55 و60 في المئة من الناخبين بـ «نعم»، مقابل ما بين 40 إلى 45 في المئة بـ «لا».
وكشفت مصادر مطّلعة وغرف عمليات انتخابية، أنّ المصوتين بـ «لا» تركّزوا في محافظات القاهرة بنسبة 68 في المئة، والإسكندرية 72 في المئة، والغربية 56 في المئة والدقهلية 53 في المئة، لافتة إلى أنّ المصوتين بـ «نعم» تركّزوا في محافظات الشرقية بنسبة 58 في المئة وأسيوط 71 في المئة وسوهاج 77 في المئة، وأسوان 83 وشمال سيناء 85 في المئة وفي حين كانت النسبة 77 في جنوب سيناء.
على الصعيد ذاته، أعلن حزب الحرية والعدالة موافقة 57.4 في المئة من الناخبين على مشروع الدستور بعد فرز نحو 93.6 في المئة من اللجان، مشيراً إلى أنّ عدد من وافقوا على الدستور بلغ 4,299,695 ناخباً، مقابل 3,182,006 ناخب صوتوا بـ «لا»، موضحاً أنّ «ما تمّ فرزه حتى الآن بلغ نحو 5969 لجنة من إجمالي لجان المرحلة الأولى، التي تقدر عدد اللجان فيها بنحو 6377 لجنة».
مطالب إعادة
وعلى الفور في احتجاج حقوقي على العملية الانتخابية، طالبت منظمات مصرية مراقبة لحقوق الإنسان اللجنة العليا للانتخابات أمس، بإعادة المرحلة الأولى من الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد بسبب ما أسمتها «مخالفات شابت الاقتراع».
وقالت المنظمات وبينها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان كبرى المنظمات الحقوقية ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية في بيان في مؤتمر صحفي أذيع تلفزيونيا، إنّ «المنظمات الحقوقية الموقّعة على البيان تطالب بإعادة المرحلة الأولى من الاستفتاء».
وأضاف البيان الذي تلاه رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بهي الدين حسن أنّ العديد من التجاوزات والانتهاكات التي من شأنها إفساد العملية بالكامل وقعت خلال اليوم الانتخابي، لافتة إلى أنّ «أهم التجاوزات تمثّلت في عدم توافر الإشراف القضائي الكامل، وانتحال صفة قاض من قبل بعض المشرفين، ومنع مراقبي المنظمات من حضور أعمال الفرز، والدعاية الدينية واسعة النطاق، وتعطيل الاقتراع عمداً في بعض اللجان، والتصويت الجماعي نيابة عن ناخبين لم يحضروا في بعض اللجان».
محاباة إسلاميين
وتابع البيان أنّ «المجلس القومي لحقوق الإنسان الذي تموّله الحكومة أصدر تصاريح مراقبة لأعضاء في حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين مكّنتهم من دخول لجان الانتخاب، وتوجيه ناخبين وحضور عمليات فرز الأصوات وإعلان النتائج غير الرسمية»، مضيفاً أنّ «الحبر الفوسفوري الذي يغمس فيه الناخبون أصابعهم ضمانا لعدم تكرار التصويت من قبل أي منهم لم يكن موجودا في بعض اللجان».
حصار معارضة
وأشار البيان إلى أنّ «الاستفتاء أجري وسط حصار مقري حزب الوفد والتيار الشعبي المعارضين والاعتداء على مقر حزب الوفد الذي تتخذ منه جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة التي تطالب الناخبين برفض مشروع الدستور مقرا لاجتماعاتها ومؤتمراتها الصحافية».
وجاء في بيان المنظّمات والذي عُنون بـ «رغم الثورة استفتاء على الطريقة المباركية»، أنّ «أعمال عنف وبلطجة سياسية شابت الاقتراع».
دعوات تقبّل
في السياق، دعا رئيس مجلس الوزراء المصري هشام قنديل جميع القوى والتيارات السياسية تقبّل نتائج الاستفتاء على الدستور الجديد.
وثمّن قنديل في تصريحات له أمس حرص الناخبين على المشاركة بفاعلية والإدلاء بأصواتهم في المحافظات العشر التي جرى فيها الاستفتاء على مشروع الدستور، بما يعكس روح المسؤولية التي يتحلى بها الشعب المصري على حد قوله.
وتوجّه قنديل بالشكر لكل من أسهم فيما أسماها «خروج المرحلة الأولى من الاستفتاء بهذا الشكل الحضاري»، وعلى رأسهم القضاة ورجال القوات المسلحة والشرطة، معرباً عن ثقته في أنّ تشهد المرحلة الثانية من الاستفتاء والتي ستجرى السبت المقبل مزيدا من الإقبال».
تهاوي دولة
من جهته وفي تحذير صريح من تداعيات الإصرار الرئاسي على استكمال مشروع الاستفتاء الدستوري، أكّد رئيس حزب الدستور المصري والناشط السياسي محمّد البرادعي، أمس تهاوي ركائز الدولة في مصر، مشيراً إلى أنّ البلاد تزداد انقساماً في ظل تنامي وعي الشعب.
وشدّد البرادعي في إطار تعليقه على النتائج الأولية للمرحلة الأولى من الاستفتاء على مشروع الدستور المصري الجديد، على أنّ «الوطن يزداد انقساماً وركائز الدولة تتهاوى، والفقر والأمية هما الأرض الخصبة للتجارة بالدين، ودرجة الوعي تتنامي بسرعة ومصر الثورة ليست بعيدة المنال». وقال مخاطباً الرئيس محمّد مرسي: «في ظل انقسام مصر الواضح والخطير إلي فسطاطين، هل ستدرك ضرورة أن تكون رئيساً لكل المصريين؟ الحكم أمانة».
طعون دستوري
وقبل أن تهنأ المرحلة الأولى للاستفتاء بالشرعية، سدّد المحامي والمرشّح الرئاسي السابق خالد علي أمس أول طعن في خاصرة الاستفتاء الدستوري عبر دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمصر حسب وكالة الأناضول للأنباء.
وطالب علي في دعواه بإصدار قرار بوقف إجراءات الاستفتاء، ووقف إعلان النتيجة وإعادة الاستفتاء بعد إدراج كامل نصوص مشروع الدستور باستمارة إبداء الرأي للاستفتاء، أو نشر مشروع الدستور المستفتى عليه بالجريدة الرسمية.
واختصم خالد على الرئيس المصري محمد مرسى وسمير أبو المعاطي رئيس اللجنة العليا للانتخابات والمشرفة على الاستفتاء بصفتهما.
وذكرت الدعوى أنّ خالد علي امتنع عن التصويت لدى ذهابه للاستفتاء لعدم وجود النصوص المستفتى عليها، وحرّر محضرا بذلك قبل أن يقيم الدعوى القضائية اليوم.
تهاوي عملة
ونتيجة للأوضاع السياسية المتوتّرة والشارع المضطرب، سجّل سعر صرف الجنيه المصري أمس أكبر تراجع له أمام الدولار الأميركي خلال تسع سنوات، مسجّلاً مستوى 6.169 جنيهات للشراء و6.199 للبيع.
ووفقاً لقائمة الأسعار فإنّ الدولار يواصل ارتفاعه منذ عدة أسابيع بنسبة 1,13 في المئة، فيما تسود أوساط المستثمرين والتجار حالة من القلق خشية موجة من ارتفاع الأسعار بالنظر إلى الاعتماد الواسع على الاستيراد بالعملات الصعبة من سلة العملات الأجنبية وفي مقدمتها الدولار واليورو.
وكانت النشرة الشهرية للمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرارات التابع لمجلس الوزراء المصري، كشفت عن ارتفاع الدولار خلال شهر نوفمبر الماضي بمعدل سنوي قدره 2.2 في المئة، ومعدل شهري 0.2 في المئة.