أحدث نبأ إعلان تحرير مدينة حماة زوبعة وهلعاً في صفوف الأهالي إثر سماعهم اندلاع المعارك الضارية بين الجيش الحر وقوات النظام في بلدة حلفايا بالريف الشمال الغربي، وامتداد المواجهات العسكرية داخل مدينة حماة نفسها، حيث اتخذ السكان إجراءات احترازية من شراء للحاجيات الضرورية تحسباً لما ستخلفه تداعيات القتال على الأوضاع المعيشية في المدينة مستقبلاً، خاصة ان المدينة عاشت قمعا في العام 1982 حينما انتفضت ضد النظام وفي صيف العام الماضي حينما تظاهر اكثر من نصف مليون فيها قبل غزوها عسكريا من وحدات الجيش النخبوية.
وشطرت هذه الأجواء المتوترة السكان بين من يمني النفس رؤية أعلام الاستقلال ترفرف على دوائر مؤسسات الدولة والمقرات الأمنية عوضاً عن أعلام النظام ورموزه، وبين تائه ومتردد في التفكير بين حلم التحرير، وهواجس التشرد والقتل وتدمير البيوت والأحياء.
ولعل تنشيط حركة السوق، والإقبال غير المسبوق على شراء الحاجيات الأساسية بكميات مضاعفة، يعد بمثابة مؤشر في مستوى الشعور بدق ناقوس الخطر الذي يسبق ساعات قليلة من قرع طبول الحرب.
مخاوف الحرب
ويسرع وليد في وضع الحاجيات التي اشتراها للتو في الصندوق الخلفي لسيارته الأجرة، ويقول: «ربما هذه آخر رحلة أرتاد فيه السوق بسيارتي، فالبنزين تضاعف سعره اليوم من 120 ليرة إلى 250، ومن الأفضل ايقاف السيارة أمام المنزل انتظاراً ما ستفرزه نتائج الحرب».
أما أم رياض، السيدة البالغة 54 عاماً، فتخرج بشق الأنفس من بين المحتشدين أمام إحدى المحلات الغذائية، حاملة بيدها كيسا من الطحين يقدر وزنه بـ25 كيلوغراماً. وتلتقط أنفاسها قليلاً ثم تسرد: «كأن الشتاء القاسي بصقيعه، والعيش على نمط حياة القرون الوسطى لم يعد كافياً من أجل إركاع الناس، حتى تأتي الحرب الشاملة لتعمق جراح الناس». وتؤكد أم رياض بأنها لا تخشى على نفسها من القتل، بل تخاف على حياة أطفالها وأحفادها الذين لم يفتحوا عيونهم بعد على الحياة.
معابر سرية
ووسط التحركات الأمنية المشددة، تخرج الشاحنات عبر معابر سرية صوب القرى الريفية الشمالية محملة على متنها الأثاث المنزلي والحاجيات الضرورية لمئات العائلات التي تريد النجاة بجلدها قبل اشتداد وتيرة القتال. وأبو عبد الله احد الذين نزحوا من حي الزهراء مع عائلته تجاه قريته الواقعة في النواحي الشمالية من المدينة، حيث يبرر سبب مغادرته المدينة: «أريد تأمين ملاذ آمن لأطفالي الأربعة وزوجتي، ومن ثم سأعود فوراً إلى المدينة للاحتفال مع الجيش الحر بتحريرها». ولا يستسهل أبو عبد الله من مهمة تحرير المدينة، فيقول: «معارك الريف دائماً تصب لصالح الجيش الحر، لكن في مدينة كحماة ستطول نشوة الانتصار، كون النظام يقصف من الجو، ومن القواعد العسكرية البعيدة عن ساحة القتال».
ويشاطر زياد الحموي، ناشط إعلامي، رأي أبو عبد الله، ويؤكد أهمية تحرير مدينة حماة ليس لغرض أهداف استراتيجية متعلقة بربط المدينة مع حلب، كما يقول قادة الجيش الحر فقط، بل كمطلب شعبي عاجل جراء ما أثارته القوى الأمنية من الرعب والقتل ضد المعارضين، وما عاثوها من الخراب وهتك الأعراض ضد أحياء بكاملها، كحي الأربعين. ويقول زياد مستشهداً بإحدى الإحصائيات: «ثمة 14780 معتقلاً في السجون الأمنية، والحصة الكبرى من المعتقلين يرزحون في أقبية سجن المطار العسكري، وإن أراد الجيش الحر تحقيق انتصار فعلي، فعليه قبل كل شيء ضرب المطار، بعد تحرير السجناء».
استعدادات حربية
بالتزامن مع حالة النزوح عبر المعابر السرية التي تشهدها أحياء حماة، تجري الاستعدادات الحربية من طرفي الصراع. فالنشطاء يقولون إن خمسة كتائب استكشافية من الجيش تسللت خلسة إلى المدينة لدراسة الخطط العسكرية عن كثب، تمهيداً لتنفيذها في المراحل القادمة، في حين أحكمت قوات النظام يدها على المنافذ الرئيسية للمدينة، وكثفت انتشاراً أمنياً وعسكرياً داخل الحارات والأحياء المتوقع حدوث اندلاع القتال فيها.