كشف نائب رئيس وزراء إيرلندا ووزير الخارجية والتجارة ايمون غيلمور في حديثٍ لـ «البيان» أن دبلن لا تنوي إصدار قرارات حظر لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية على المستوى الوطني، مستبعداً في الوقت ذاته الدفع في هذا الاتجاه أوروبياً خلال رئاسة بلاده للتكتل في 2013 معلّلاً ذلك بأن الاتحاد الأوروبي «في المجمل ليس جاهزاً للموافقة بعد على مثل هذا الحظر».
وكرّر غيلمور تقديم الدعم الكامل لجهود المبعوث الأممي العربي المشترك الخاص الأخضر الإبراهيمي لرسم خريطة طريق سياسية إلى الأمام، وتمنى أن تثمر الجهود قريباً بما يسمح لمجلس الأمن أن يمارس قيادته بالشكل الصحيح ويتبنى قراراً يرسم طريقاً إلى الأمام لفترة انتقالية.
وفي حين استبعد الوزير الإيرلندي إمكانية تطبيق نموذج تقاسم السلطة عبر عملية السلام في إيرلندا الشمالية على الحالة السورية.. أكد الانفتاح الأوروبي على تشجيع الديمقراطية وحكم القانون في العالم العربي، وبخاصة في بلدان الربيع العربي، ظاهرة واسعة النطاق اتخذت أشكالاً مختلفة في بلدانها، والتي بدورها، واجهت في أغلب الأحيان مشاكل مختلفة وإرثاً تاريخياً متنوعاً تماماً.
وفي ما يلي تفاصيل الحوار بين غيلمور و«البيان» التي خصّها بالحوار كأول وسيلة إعلامية عربية يتحدث إليها قبيل تسلم بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأول من يناير المقبل لستة شهور:
هل ستستثمر ايرلندا رئاستها المقبلة للاتحاد الأوروبي بعد أيام للدفع نحو حظر الاتحاد لمنتجات المستوطنات في الضفة الغربية؟ وفي حال لم تكن دول التكتل راغبة في ذلك، هل ستتخذ دبلن قراراً مماثلاً على المستوى الوطني؟
بعد توقيع اتفاقية لشبونة، فإن مجلس الاتحاد الأوروبي الوزاري للشؤون الخارجية تترأسه بشكل دائم الممثلة العليا كاثرين آشتون، ومجموعات العمل المتصلة به يترأسها طاقهما.. لذا، فإنه ليس هناك فعلياً دور تنفيذي للرئاسة الدورية للدول الأعضاء في ما يخص هندسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، حيث لا يعدو كونه دوراً مساعداً للممثلة العليا. وعلى أية حال، فإن ايرلندا ستستمر بالتحدث بصوتٍ عالٍ خلال رئاستها الأوروبية، كما فعلنا على الدوام، بخصوص قضايا لها الأولوية داخل المجلس، بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة والمستوطنات. إن معارضتنا القوية لبرامج الاستيطان معروفة تماماً. وأؤكد أننا سندعم حظراً أوروبياً على بضائع المستوطنات، لكن من الواضح تماماً بأن الاتحاد الأوروبي في المجمل ليس جاهزاً للموافقة بعد على مثل هذا الحظر. وعلى بقية الدول الأعضاء تغيير مواقفهم قبل أن يصبح ذلك ممكناً.
تعمل ايرلندا كعضو في منطقة تجارة حرة داخل الاتحاد الأوروبي، بمراقبة جمركية داخلية ضئيلة جداً. وعليه، لن يكون ممكناً من الناحية القانونية أن نصدر قرارات حظر على المستوى الوطني. وحتى لو كان مثل هذا الحظر الوطني ممكناً، فإن جعله مؤثراً سيكون مع ذلك مستحيلاً طالما أن بقية دول الاتحاد الأوروبي مفتوحة لمنتجات المستوطنات.
التجربة الإيرلندية في سوريا
هل تعتقدون بأن الوصفة التي اتبعت في إيرلندا الشمالية العام 1998 يمكن أن تشكل مثالاً لحل الأزمة السورية، خاصة مع تزايد احتمالات العنف الطائفي فيها؟
إن عملية السلام في ايرلندا الشمالية لا تزال تلهمنا في إيرلندا، وأعتقد بأنها كذلك في بريطانيا أيضاً، مع بقاء العديد من السياسيين والدبلوماسيين الذين كانوا منغمسين في تلك العملية ناشطين إلى اليوم. لكن كل نزاع مختلف عن الآخر.
لا أعتقد بأنه يمكن حتى محاولة تطبيق نموذج أو دروس ايرلندا الشمالية كحل في سوريا، لأن الفرق الرئيسي الواضح هو أن نزاع ايرلندا الشمالية استمر لثلاثين عاماً بمعدلات عنف أقل بكثير منها في سوريا، فضلاً عن أن العديد من المجموعات المسلحة الرئيسة خلصت في النهاية إلى الرغبة في إنهاء النزاع. كما أن العملية تمت بين حكومتين عملتا على إبداء أكبر قدر ممكن من التعاون. ومع ذلك، فإن الأمر استغرق عشرة أعوام من العمل المثابر، رغم أن شكل الاتفاق النهائي كان واضحاً تماماً منذ البداية. وفي سوريا، أعتقد بأننا جميعاً نحاول أن ننهي صراعاً يتزايد عنفاً بأسرع وقت ممكن حتى نمنعه من التحول إلى عنف طائفي داخلي كما في العراق، لكي لا يهز استقرار دول الجوار. كذلك، نحاول ضمان قدرة الشعب السوري في نهاية المطاف على المشاركة في والاستفادة من حكم سياسي جديد يوفر مزيداً من الحرية والأمن والسلام.
ليس هناك وصفة سحرية لتحقيق ذلك، لكننا نبقى مؤيدين بشكل تامٍ لجهود المبعوث المشترك الخاص الأخضر الإبراهيمي لرسم خريطة طريق سياسية إلى الأمام، حيث نتمنى أن تثمر تلك الجهود قريباً، بما يسمح لمجلس الأمن أن يمارس قيادته بالشكل الصحيح ويتبنى قراراً يرسم طريقاً إلى الأمام لفترة انتقالية. وفي هذا الصدد، كان لي فرصة لقاء الإبراهيمي في دبلن في وقتٍ سابق من الشهر لمناقشة دوره والوضع عامةً قبيل لقائه بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ونظيرها الروسي سيرغي لافروف، حيث يمكن اعتبار هذا اللقاء الثلاثي المهم في دبلن مثالاً على الانخراط السياسي الضروري والمطلوب لحل الأزمة السورية.
انفتاح على الربيع العربي
انبثق الحكم الإسلامي في مصر بعد النزاع في قطاع غزة كوسيط براغماتي بارز في الشرق الأوسط. ألا تعتقدون أن المخاوف الغربية من سيطرة الإسلاميين المتطرفين على الربيع العربي مبالغ فيها؟
نحن منفتحون تماماً على تشجيع الديمقراطية وحكم القانون. الربيع العربي ظاهرة واسعة النطاق اتخذت أشكالاً مختلفة في بلدانها، والتي بدورها، واجهت في أغلب الأحيان مشاكل مختلفة وإرثاً تاريخياً متنوعاً تماماً.
أعتقد أن رد الفعل الرئيسي في الغرب، وبكل صراحة، كان مزيجاً من الإعجاب الكبير بشجاعة وتصميم مواطني تلك البلدان العاديين، والابتهاج لحقيقة أن ما يصبو إليه الأوروبيون والعالم العربي مشترك إلى حد كبير. نحن ندرك أن الأمر يعود إلى شعوب تلك البلدان التي تمر في مرحلة الانتقال بأن تقرر من يجب أن يكون في الحكم. وكجيران، علينا العمل مع من يتم انتخابه، مع الدفاع عن مصالحنا.
من الواضح أن الدور السياسي المتعاظم للأحزاب الإسلامية هو واحد من نتائج الصحوة العربية، بحيث يتوجب على أوروبا أن تتكيف مع تلك الظاهرة وأن تتعاطى بشكلٍ بناء مع بروزها المتزايد. كما أعتقد أن أياً كان من يعتلي الحكم، يجب أن يستمر في احترام العملية الديمقراطية التي عبرها استلم الحكم.
رأينا في أوروبا أن الفترة التي تلي الثورة يمكن أن تكون صعبة، وأن الدعم الشعبي للأحزاب الجديدة يمكن أن يتغير بسرعة مع ظهور المشاكل وازديادها.
أزمة اليورو
إلى أي مدى ستتغير علاقة ايرلندا بالاتحاد الأوروبي بعد أزمة ديونها السيادية، بالنظر إلى المثال اليوناني؟
ترى ايرلندا أن عضويتها في الاتحاد الأوروبي جوهرية لتعافيها الاقتصادي. وعليه، فإننا ملتزمون بقوة بهذه العضوية. وكوننا جزء من الاقتصاد الفردي ومنطقة اليورو، فإن ذلك يجعلنا مركزاً جاذباً للاستثمار.
أفسحت القروض التي حصلنا عليها من شركائنا الأوروبيين وصندوق النقد الدولي المجال لاتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة اقتصادنا على أسس مستدامة، عدا عن سماحه لنا بالعودة إلى الاقتراض على الأسواق المفتوحة كما نخطط لذلك العام المقبل. لقد دفعتنا الأزمة الواسعة في منطقة اليورو، التي أثرت فينا بدرجات مختلفة، إلى أن نتخذ خطوات مهمة لإعادة الاستقرار إلى وضعنا المالي.
لدينا، داخل منظمة «آلية الاستقرار الأوروبية»، آلية إنقاذ دائمة، حيث عززنا القوانين التي تدعم العملة، وقمنا بتقوية قدرتنا على فرض تلك القوانين، متيقنين من أن ذلك سوف يساعدنا على أن نحترس من أي أزمات مستقبلية. كما أدركنا أن تعافي الاقتصاد الأوروبي لن يتم ما لم نركز على خلق الوظائف وتحفيز النمو، حيث سيحتل هذان الأمران الأولوية القصوى لايرلندا كرئيسة للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من 2013. لذلك، وفي وقت لا أعتقد أن الأزمة غيرت نوع العلاقة مع الاتحاد، التي كانت وتبقى وستستمر جيدة جداً، إلا أنها أتاحت المجال لتفكير معمق أكثر على المستوى الأوروبي بشأن الكيفية التي يتوجب معها أن تعمل الوحدة النقدية، وكشفت أهمية السوق الفردي لتعافينا الاقتصادي.
التوسعة الأوروبية
ألا يجب أن تكون هناك حدود لتوسعة الاتحاد الأوروبي؟، بحيث أنه ألا تعتقدون أنها كانت من الأسباب التي خلقت أزمة اليورو، ويمكن أن تعمقها أكثر؟
ستصادف رئاستنا الدورية المقبلة الذكرى الـ40 لدخولنا التكتل العام 1973، كوننا من البلدان الأوائل التي انضمت كتوسعة للاتحاد. من المهم النظر إلى الصورة الأشمل عند الحديث عن توسعة التكتل الذي يمكن وصفه بأنه أكثر عملية سلام ناجحة شهدها العالم. كما أن التوسعة واحدة من سياساته الناجحة التي تسهم بشكل ملموس في أهدافه الشاملة وطموحاته.
كانت رؤية مؤسس الاتحاد الأوروبي روبرت شومان تتلخص في إيجاد تجمع فوق-وطني يجعل من الحرب ليس أمراً غير قابل للتفكير فحسب، بل مستحيلاً من الناحية العملية. وهذا العام، تم الاعتراف بإنجازاتنا في هذا الخصوص بمنحنا جائزة نوبل للسلام.
التوسعة أمر مركزي لتلك الإنجازات، بحيث أنها أسهمت في تحقيق الأمن والازدهار. ولهذا، فمن الصعب تبرير الأحاديث عن تسببها في أزمة اليورو التي لها مبررات عدة متنوعة ومتشابكة، ليس من بينها التوسعة. فمن بين الدول الـ17 المنضوية تحت لواء منطقة اليورو خمس فقط دخلت عبر التوسعة العام 2004، وواحدة فقط منها وهي قبرص، اضطرت إلى طلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي. في المحصلة، نحن لا نتفق مع الرأي القائل إن أزمة اليورو تلقي بظلالها على سياسة التوسعة أو إن ضم أعضاء آخرين يمكن أن يفاقم المشاكل الحالية. وفي الوقت نفسه، فإنه من الواجب على الدول الراغبة في الانضمام أن تكون مستعدة للتعامل مع مسؤوليات العضوية، لأن أي توسعة إضافية لا يمكن أن تحدث إلا عندما يكون المرشح جاهزاً والاتحاد الأوروبي قادراً على استيعابه.